للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والملك لا تصحّ، ومن جملة هذه الأخبار ما أخرجه الطّبري معلولاً عن أحمد، عن عليّ بن عبد الله وهشام بن سعد، عن عبد الملك بن عمير، قال: " أَغلظَ رجلٌ لمعاوية، فأكثرَ، فقيل له: أتحلمُ عن هذا؟ فقال: إنّي لا أحول بين النّاس وألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين ملكنا" (١).

فهذه الرّواية تزعم أنّ معاوية ـ رضي الله عنه ـ لا يغضب إلاّ إذا نازعه أحد الملك، وفيها اتّهام صريح لمعاوية أنّه كان يرى أنّ الخلافة ملك لبني أميّة لا ينبغي لأحد أن ينازعه عليها! وهذا الكذب على معاوية ـ رضي الله عنه ـ لا يُسْتغرب فالشّياطين توحي لأوليائها {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ... (١٢١)} [الأنعام].

ويدلّك على بطلان متنها فساد سندها، فإنّ عبد الله بن صالح بن محمّد (٢) لم يدرك عبد الملك بن عمير (٣)، فقد تُوفِّي عبد الملك بن عمير بن سويد اللّخمي سنة مائة وست وثلاثين للهجرة، وعبد الله بن صالح لم يولد بعد، وإنّما ولد سنة مئة وسبع وثلاثين للهجرة، أي بعد وفاة عبد الله بن عمير بسنة، كذلك الرّواية في سندها علّة أخرى، وهي هشام بن سعد المدني المرميّ بالتّشيّع، قال عنه ابن حجر: " صدوق له أوهام ورمي بالتّشيّع " (٤).

وجملة القول أنّ عليّاً ومعاوية ـ رضي الله عنهما ـ كانا مُحِقَّين في غايتهما سليمين في نيتهما، ولو كانا يعرفان أنّ الأمر سيفضي بهما إلى الاقتتال لتوقّفا من أوّل الأمر، وآية ذلك رغبتهما في التّحكيم وحرصهما عليه، فقد أمكنهما وقف الاقتتال بعد ثلاثة أو أربعة أيّام من نشوبه، وجنحا إلى السّلم والتّحكيم، وانتهى الأمر، فلم يكن في نيّة أحدهما هزيمة الآخر لتحقيق مطلبه.


(١) الطّبري " تاريخ الأمم والملوك " (ج ٤/ص ٢٤٩).
(٢) من الطّبقة العاشرة، انظر ترجمته في " تقريب التّهذيب " لابن حجر (ص ٣٠٨/ رقم ٣٣٨٨).
(٣) من الطّبقة الرّابعة وقال الحافظ: " ثقة فصيح عالم تغيّر حفظه وربّما دلّس " " تقريب التّهذيب " (ص ٣٦٤/رقم ٤٢٠٠).
(٤) ابن حجر " تقريب التّهذيب " (ص ٥٧٢/ رقم ٧٢٩٤).

<<  <   >  >>