للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقالوا: هذا كتاب الله بيننا وبينكم " (١).

وهذه الرِّواية باطلة سنداً لأنّها من طريق أبي مخنف، وهو أخباريّ تالف، وباطلة متناً من وجوه:

أحدها: تزعم الرّواية أنّ عليّاً كان كارهاً للتحكيم وينهى عنه، وهذا خلاف الثّابت، فإنّ عليّاً ـ رضي الله عنه ـ لمّا بلغه طلب معاوية التّحكيم، قال: " نَعم أنا أولى بذلك، بيننا وبينكم كتابُ الله " (٢) وسيأتي ذلك في موضعه.

الثّاني: أنّ كلمة (بلى) الواردة في الرّواية وهي حرف جواب مختصّة بالنّفي، لا تقع إلاّ بعد نفي في اللفظ أو في المعنى، سواء اقترنت به أداة استفهام أو لا، فإن اقترنت به أداة استفهام وكان الاستفهام منفياً وأردت الإثبات قلت: بلى، وإن أردت النّفي، قلت: نعم. وقد اسْتُخْدِم حرف الجواب (بلى) في الرّواية مرّتين استخداماً خاطئاً، وهذا من علامات الوَضْع، إذ أنّ الصّحابة ـ رضي الله عنهم ـ أهل الفصاحة والبلاغة، وهذا كلام يحتاج أن ترشد صاحبه الّذي وضعه، فقد ضَلَّ.

الثّالث: تزعم الرّواية أنّهم لمّا طلبوا الاحتكام إلى كتاب الله تعالى رفعوا المصاحف على الرّماح، وهذا خلاف الثّابت، فقد صحّ أنّ عمرو بن العاص أشار على معاوية أن يرسل إلى عليّ بمصحف مع أحد رجاله يدعوه إلى كتاب الله، ففي رواية أحمد: " فجاء به رجل، فقال بيننا وبينكم كتاب الله " (٣).

وهذا هو اللائق والأولى، فرواية الطّبري تُوهِمُ أنّ عشرات بل مئات المصاحف رفعت على الرّماح، ونحن نعلم أنّ المصاحف يومها كانت قليلة، فالخليفة عثمان ـ رضي الله عنه ـ هو الّذي جمع النّاس على مصحف واحد وأَمَرَ نفراً من الصّحابة بكتابة المصاحف،


(١) الطّبري " تاريخ الأمم والملوك " (ج ٤/ص ٣٤).
(٢) أحمد " المسند " (م ١٢/ ص ٣٩٩/ رقم ١٥٩١٧) بإسناد صحيح عن حبيب بن أبي ثابت.
(٣) المرجع السَّابق.

<<  <   >  >>