للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأرسل لكلّ مصر مصحفاً، فمن أين جاؤوا بهذه المصاحف كلّها، ثمّ إنّ الأولى أن يُحمل كتابُ الله بالأيدي لا أن يحمل على الرّماح!

الرّابع: لا يصدّق أنّ الصّحابة تخدع بعضها في الله، فلا يُعْقَلُ أن يُظْهِرَ معاوية وعمرو للخليفة عليّ أمراً ويضْمِرا خلافه، ويخدعانه بماذا؟ يخدعانه بكتاب الله! هذا قطعاً ليس من أخلاق الصّحابة، أمّا من ذهب إلى جواز ذلك واستدلّ بقوله: "الحرْب خَدْعة" (١) فإنّ الحديث لا يفهم منه جواز ذلك، وإنّما يفهم منه جواز خداع الكفّار في الحرب، إلاّ أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يجوز. والصّحابة لا يخدعون ولا يغدرون بعضهم في الصّلح ولا في غيره.

كما أخرج الطّبريّ في أمر المصاحف والتّحكيم من طريق أبي مخنف، عن عبد الرّحمن ابن جندب الأزدي، عن أبيه أنّ عليّاً، قال: " عبادَ الله امضوا على حقّكم وصدقكم قتال عدوّكم، فإنّ معاوية، وعمرو بن العاص، وابن أبي معيط، وحبيب بن مسلمة، وابن أبي سرح، والضّحاك بن قيس، ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، أنا أعرف بهم منكم، قد صحبتُهم أطفالاً، وصحبتهم رجالاً، فكانوا شَرَّ أطفال، وشَرَّ رجال، وَيْحَكُمْ! إنّهم ما رفعوها، ثمّ لا يرفعونها، ولا يعلمون بما فيها، وما رفعوها لكم إلاّ خديعة ودهناً ومكيدة، فقالوا له: ما يسعنا أن نُدْعَى إلى كتاب الله ـ عزّ وجلّ ـ فنأبى أن نقبله!

فقال له مسعر بن فدكي، وزيد بن حصين (٢) الطّائي ثمّ السّنبسي في عصابة معهما من القرّاء الّذين صاروا خوارج بعد ذلك: يا عليّ، أجب إلى كتاب الله ـ عزّ وجلّ ـ إذا دُعِيْتَ إليه؛ وإلاّ ندفعُكَ برمّتك إلى القوم، أو نفعلُ كما فعلنا بابن عفّان ... " (٣).

وهذه الرّواية باطلة سنداً ومتناً، أمّا بطلان سندها فمردّه إلى أبي مخنف، لوط بن يحيى،


(١) البخاري " صحيح البخاري " (م ٢/ج ٣/ص ٢٤) كتاب الجهاد والسّير.
(٢) الصّواب زيد بن حصن يبدو أنّه تصحيف.
(٣) الطّبري " تاريخ الأمم والملوك " (ج ٤/ص ٣٤).

<<  <   >  >>