للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يكن يوم التّحكيم من هؤلاء غير عليّ، وسعد بن أبي وقّاص، وعبد الله بن عمر، فأمّا عبد الرّحمن بن عوف فمات في خلافة عثمان، وأمّا عثمان وطلحة والزّبير فقُتِلوا ظلماً وعدواناً.

ويظهر أنّ الحكمين قد اجتهدا في الأمر وأدركا بثاقب فكرهما، وصائب رأيهما ألَّا يعجلا في الأمر، وأن يشاركهما الرّأي كِبَارُ الصّحابة وأعيانهم من أمثال سعد بن أبي وقّاص، وعبد الله بن عمر شقيق حفصة أمّ المؤمنين، وهما عظيما القدر؛ عملاً بقوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ... (٣٨)} [الشّورى] فضلاً عن خشية الحكمين أن يستغلّ مرضى القلوب قرار التّحكيم إن لم يكن مرضياً لأحد الفريقين في تجديد الخلاف وإيقاع الفتنة، خاصة وأنّ كلا الفريقين ظل يظنّ أنّه على الحقّ وأنّ الحقّ معه.

فهذا معاوية ـ رضي الله عنه ـ ظلّ معتقداً أنّه على الحقّ حتى بعد التحكيم، ويعذر بهذا؛ لأنّه لو كان يرى أنَّ الحقَّ مع عليٍّ فلا معنى لمخالفته له، أخرج البخاري عن ابن عمر، قال:

" دخَلتُ على حفصة، ونوساتُها تنْطفُ (١)، قلتُ: قد كان من أمر النّاس ما ترين، فَلم يُجْعَلْ لي من الأمر شيءٌ، فقالتْ: الحَقْ، فَإنّهم ينتظرونكَ وأخشى أنْ يكون في احتباسك عنهم فُرْقَة، فلم تَدَعْه حتّى ذهب، فلمّا تفرّق النّاسُ خطب مُعاوية، قال: مَنْ كان يُريدُ أن يَتَكلّمَ في هذا الأمر فَلْيُطلعْ لنا قَرْنَه، فلنَحْنُ أحقُّ به منه ومن أبيه، قال حبيب بن مَسْلمة: فَهَلاّ أجبْتَهُ، قال: عبد الله: فَحَللتُ حُبْوتي وهممتُ أن أقول: أحقُّ بهذا الأمر منك مَنْ قاتلك وأباك على الإسلام، فخشيتُ أن أقول كلمةً تُفَرّقُ بين الجمع وتسفكُ الدّمَ ويُحْملُ عنّي غيرُ ذلك، فذكرتُ ما أعدَّ اللهُ في الجِنان، قال حبيبٌ: حُفِظتَ وَعُصِمتَ " (٢).

وتقدير الكلام أنّ عبد الله بن عمر دخل على أخته حفصه (أمّ المؤمنين) وكانت


(١) أي ضَفَائِرَ شعرها تَقْطُر.
(٢) البخاري " صحيح البخاري " (م ٣/ج ٥/ص ٤٨) كتاب المغازي.

<<  <   >  >>