للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نوساتها تقطر بللاً ـ كأنّها كانت اغتسلت ـ فشاورها فيما كان بين معاوية وعليّ واجتماع النّاس على التّحكيم للنظر فيما اختلفا فيه، وكانوا قد تواعدوا على الاجتماع في دومة الجندل، وسألها إن كان الخير في أن يقعد أو يلحق بهم، فأشارت عليه أنّه لا يَجملُ به أن يتخلَّف عن صلح بين أُمَّة محمّد - صلى الله عليه وسلم -، وهو صهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن عمر بن الخطّاب، وألحَّت عليه حتّى ذهب ووافاهم هناك.

فلمّا تفرّق النّاس، قال معاوية ـ رضي الله عنه ـ كلمةً تُعبّر عن قناعته أنّه على الحقّ، قال: " من كان يُريدُ أن يَتَكلّمَ في هذا الأمر فَلْيُطلعْ لنا قَرْنَه، فلنَحْنُ أحقُّ به منه ومن أبيه " وقد فسّر الحافظ في الفتح قوله " هذا الأمر " وقال: " أي بالخلافة " (١). قلتُ: وفيه بُعْدٌ؛ لأنّ الخلاف بينهما لم يكن على الخلافة كما تقدّم، والمراد من الأمر الطّلب بدم عثمان ـ رضي الله عنه ـ والله أعلم.

وهناك من حَمَلَ هذا الحديث على أنّه كان في زمن معاوية لمّا أراد أن يَعْهَدَ ليزيد، وأنّ ابن عمر كان يرى أنّه أحقُّ بالخلافة ويطمع فيها، وأنّ معاوية كان لا يرى أحداً أحقّ بالخلافة من يزيد، وهذا لا يصحّ، وقد وجّه ابن حجر هذا الحديث بما يفيد أن هذه القصّة كانت في التَّحكيم بعد صفِّين، فقد ذكر طريقاً آخر للحديث من رواية عبد الرّزاق عن معمر، قال: "فلم تدعه حتّى يذهب، فلمّا تفرّق الحكمان، خطب معاوية ... " (٢) وقال ابن حجر: وهو يفسّر المراد ويعيّن أنّ القصّة كانت بصفّين " (٣) وقيل غير ما تقدّم، وأيّاً كان سبب ومناسبة هذا الحديث فالظّن بمعاوية لا يكونُ إلَّا خيراً.

فإن قال قائل: فقد شهد التّحكيم من شهد من كِبَار الصَّحابة من أمثال عبد الله بن عمر، وعبد الرّحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن الزّبير، والمغيرة بن شعبة، وسعد بن أبي وقّاص على خلافٍ فيه، فأيّ فائدة من هذا القرار الّذي خرجا به؟!


(١) ابن حجر " فتح الباري " (ج ٧/ص ٣٢٤).
(٢) الصّنعاني " مصنّف عبد الرّزاق " (ج ٥/ص ٤٨٣/ رقم ٩٧٧٩).
(٣) ابن حجر " فتح الباري " (ج ٧/ص ٣٢٣).

<<  <   >  >>