للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تبلغكم، ولا تعظّمون حرمتهم، ولا تعرفون سابقتهم، وتستطيلون عليهم وأنتم دونهم؟! وهذا الحديث لا ينطبق على الصّحابة.

وكلّ الأحاديث الّتي بهذا المعنى لها تأويل مبسوط في كتب شروح الحديث، ومنها، قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: " سِبَابُ المُسْلم فسوقٌ وقتالهُ كُفْرٌ " (١).

والمراد بالكفر كُفْرُ الإحسان وأخوّة الإسلام، لا كفْر الجحود والنكران المُخْرج من الملَّةِ بالتَّمام، فكفرٌ دون كفر، وفسوق دون فسوق، ويكفي لتأكيد ذلك أن تتدبّر قوله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ... (١٩٧)} [البقرة] فإنّ هذا النّوع من الفسوق يختلف عن الفسوق في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (٩٩)} [البقرة] فالفسوق درجات كما الكفر درجات.

وفي تأويل هذا الحديث أقوال أُخَر، منها: أنّه في المستحلّ، ومنها أنّه على سبيل التّشبيه لأنّ هذا الفعل يشبه فعل الكفّار، وقيل: إنّ أحاديث النّهي مخصوصة بآخر الزّمان، حيث تتحقق المقاتلة في طلب الملك، فقد وقع في حديث أبي موسى الأشعري أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: " إنّ بين يدي السّاعة أيّاماً يُرفَعُ فيها العلم، وينزل فيها الجهل، ويكثر فيها الهرج، والهرجُ القتل " (٢).

وهناك أقوال أُخَر يضيق المقام عن ذكرها، ولعلّ أقوى هذه الأقوال أنّ إطلاق الكفرعلى قتال المؤمن للمبالغة في تّحذير السّامع؛ لينزجر ويرتدع عن الإقدام على القتال، ولذلك فقد توقَّفَ غير عالم عن تأويل أحاديث الوعيد لتكون أكثرَ زجراً، وأشدَّ ردعاً.

والحقّ الّذي عليه السّلف والخلف أنّنا يجب أن نمسك عمّا جرى بينهم، ولا نذكرهم إلاّ بما ذكرهم الله في كتابه، والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في سنّته.


(١) مسلم " صحيح مسلم بشرح النّوويّ " (م ١/ج ٢/ص ٥٤) كتاب الإيمان.
(٢) البخاري " صحيح البخاري " (م ٤/ج ٨/ص ٨٩) كتاب الفتن.

<<  <   >  >>