الْعَلِيمُ (١٣٧)} [البقرة] تباينت مواقف أهل الأمصار من استشهاده:
فمنهم من كان يرى وجوب التّعجيل في محاسبة قتلة عثمان ـ رضي الله عنه ـ، وهم أهل الشّام وعلى رأسهم معاوية ـ رضي الله عنه ـ، وشطر من أهل البصرة، ومثلهم من أهل مصر.
ومنهم من كان يرى ضرورة تأجيل إقامة الحدود على قتلة عثمان حتّى يتوطَّدَ الحكمُ للخليفة عليّ ـ رضي الله عنه ـ وتقوى شوكته، وتستتبَّ الأمورُ بعد انتقاض البلاد، واضطراب العباد؛ بسبب استشهاد عثمان ـ رضي الله عنه ـ وهم كثير من أهل الأمصار لا سيّما أهل الكوفة فقد كانوا مع عليّ في ذلك.
ومنهم من اعتزل الفتنة، مثل: سعد بن أبي وقّاص، وعبد الله بن عمر، ومحمّد بن أبي مسلمة وغيرهم كثير ـ رضي الله عنهم جميعاً ـ.
وهناك من سعى للإصلاح وجمع الكلمة بين من يريد التّعجيل، ومن يريد التّأخير، ويمثّل هؤلاء أمّ المؤمنين عائشة وطلحة والزّبير ـ رضي الله عنهم ـ، فخرجوا من مكّة إلى البصرة وكان مرادهم الإصلاح وجمع الكلمة، وليس المطالبة بدم عثمان ـ رضي الله عنه ـ كما ذهب إلى ذلك غير كاتب، فلو كان ذلك صحيحاً لذهبوا إلى الشّام وكانوا مع معاوية ـ رضي الله عنه ـ من أوّل الأمر، ولكن هذا لم يكن.
وهناك كثير من الرّوايات تصوّر عائشة ومن معها أنّهم نقموا على عليّ لتأخيره محاسبة قتلة عثمان، وأنّهم خرجوا إلى البصرة لتحريض النّاس على المطالبة بدم عثمان، وأنّهم خرجوا على عليّ وأبطلوا خلافته وطعنوا فيها، بدليل أنّهم خرجوا للقتال ولهم خليفة لا يرجعون إليه!
وهذه الأخبار لا تَصِحُّ؛ فلو أرادوا مَنْ ينصرهم للنيل من قتلة عثمان لخرجوا إلى الشّام ـ كما تقدّم ـ حيث معاوية أعزّ ناصراً وأكثر عدداً، أمّا أنّهم شقّوا عصا الطّاعة وخرجوا عن الجماعة فظاهر البطلان؛ فما ظهر عندهم ولا عند غيرهم ما يوجب نقض بيعة عليّ، ولو