للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أرادوا ذلك لسعوا إلى بيعة غيره من أوّل الأمر، لكن ذلك لم يحدث، فهم يرون له من الحقِّ ما لا يرونه لغيره، فهو أفضل من بقي من أهل الشّورى الّذين نصّ عليهم عمر ـ رضي الله عنه ـ ولم يكن يومها على أديم الأرض مَنْ هو أفضل منه، فهذه الأخبار مفضوح كَذِبُها، ولذلك قال الحاكم:

" فأمّا قول من زعم أنّ عبد الله بن عمر، وأبا مسعود الأنصاري، وسعد بن أبي وقّاص، وأبا موسى الأشعري، ومحمّد بن مسلمة الأنصاري، وأسامة بن زيد، قعدوا عن بيعته، فإنّ هذا قول من يجحد حقيقة تلك الأحوال " (١) والحاصل خلافته ـ رضي الله عنه ـ صحيحة بالإجماع، وكان هو الخليفة في عصره لم ينازعه على الخلافة أحد.

فخروجهم إلى البصرة لم يكن خروجاً للقتال أو خروجاً على الإمام، وإنّما خرجوا للإصلاح، وإعزاز الإسلام بسَدِّ باب الفتنة الذي فُتِح بعد مقتل الخليفة عثمان ـ رضي الله عنه ـ ظلماً وعدواناً كما أجاب غير عالم.

فهم يريدون جمع كلمة الأمّة، وتحذير المسلمين من التّقصير في معاونة علي ـ رضي الله عنه ـ والتّعجيل في محاسبة المحلّين لدم عثمان ـ رضي الله عنه ـ قبل أن تربو مفسدة هؤلاء المنافقين ويستطير شَرُّهم وتزداد شوكتهم ويكثر جمعهم، خصوصاً وأنّ الفتنة يسارع إليها أهل الفساد، وهم الأكثرون.

وقد أخرج الحاكم ما يشير إلى سبب خروج عائشة ـ رضي الله عنها ـ، وهو الصّلح، والدّعوة إلى مساندة الفئة التي بُغِي عليها، فقد أخرج بسنده إلى عائشة، قالت: " ما رأيت مثل ما رَغِبَتْ عنه هذه الأمّة من هذه الآية: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ... (٩)} [الحجرات] " (٢).


(١) الحاكم " المستدرك " (ج ٣/ص ١١٥) كتاب معرفة الصّحابة.
(٢) الحاكم " المستدرك " (ج ٢/ ص ١٥٦) كتاب قتال أهل البغي. وقال: هذا حديث صحيح على شرط = = مسلم ولم يخرّجاه.

<<  <   >  >>