للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان - صلى الله عليه وسلم - يومها يريد الرّجوع إلى المدينة، فقالت صفيّة ـ رضي الله عنها ـ: " ما أراني إلاّ حَابسَتكم " تريد أن تنتظر طهرها لتطوف الوداع، وظنّت أنَّ طواف الوداع لا يسقط عن الحائض، فقال - صلى الله عليه وسلم -: " عَقْرَى حَلْقَى، أوما كُنْتِ طفْتِ يوم النّحر؟ قالت: بلى، قال لا بأس انفري " (١).

ويعضده قوله - صلى الله عليه وسلم - لأمّ سَلمَة: " تَرِبَتْ يَمينُكِ " أي افْتَقَرَتْ، وليس المراد المعنى الأصلي لها، وإنّما المراد الزّجر والدّعاء لها ونحو ذلك، وكانت أمّ سُليْم والدة أنس بن مالك قد جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: " يا رسول الله، إنّ الله لا يستحيي من الحقّ، فهل على المرأة من غُسْل إذا احتلمت، قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: إذا رأت الماء، فغطّت أمّ سَلمة ـ تعني وجهها ـ، وقالت: يا رسول الله، وتحْتَلمُ المرأةُ؟! قال: نعم تَرِبَتْ يمينُك، فبم يشبهها وَلدُها " (٢).

واستهلّت أمّ سليم حديثها بقولها " إنّ الله لا يستحيي من الحقّ " تريد أن تَبْسُطَ عُذْرها في السّؤال عمّا تتحرج النّساء عن السّؤال عنه، ولهذا قالت لها عائشة ـ رضي الله عنها ـ: " فَضَحْتِ النّساء " (٣) ولذلك فمن حِكَمِ تَعدُّد زوجات النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَفْعُ الحَرَجِ عن النّساء ـ، فقد تولّت نساء النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - تعليم نساء المؤمنين.

ومن الجدير ذكره أنّ استشكال النّص في الكتاب والسُّنَّة إنّما جاء ليمتحن الله تعالى به النّفوس، وليمحّص به القلوب، ولييسّر الله تعالى للعلماء ما يرفع لهم به الدّرجات، فما من مسألة ولا شبهة أُثيرتْ إلاّ وقد أجاب عنها علماؤنا السّلف قبل الخلف، لعلّهم يهتدون، أو {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (١١٣)} [طه] لكنّ المرجفين يقرؤون الشُّبهات ويثيرونها


(١) مسلم " صحيح مسلم بشرح النّوويّ " (م ٤/ج ٨/ص ١٥٣) كتاب الحجّ. والبخاري في " صحيح البخاري " (م ١/ج ٢/ص ١٥١) كتاب الحجّ.
(٢) البخاري " صحيح البخاري " (م ١/ج ١/ص ٤١) كتاب العلم.
(٣) مسلم " صحيح مسلم بشرح النّوويّ " (م ٢/ج ٣/ص ٢٢٤) كتاب الحيض.

<<  <   >  >>