للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنه لما كان قبل النُّبوَّة، وغفران ما تأخّر عصمته وحمايته من الوقوع بالذّنب بعد النُّبوَّة. والآية فيها تنزيه للرسول - صلى الله عليه وسلم - من الذّنوب، وَوَعْدٌ له من الله أنّه مغفور له غير مؤاخذ بذنب لو كان، ولا يلزم من ذلك وقوع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ذَنْب.

وهذه الآية نزلت على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مرجعه من الحديبية، وكانت أحَبَّ إلى قلبه من الدّنيا وما فيها، أخرج أحمد بسند صحيح عن أنس، قال:

" نزلت على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ... (٢)} [الفتح] مَرْجِعهُ من الحديبية، وأصحابه مخالطو الحزن والكآبة، فقال: نزلت عليّ آية هي أحبّ إليّ من الدّنيا وما فيها جميعاً، قال: فلمّا تلاها نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم -، قال رجل من القوم: هنيئاً مريئاً قد بيّن الله لك ماذا يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ الآية الّتي بعدها {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (٥)} [الفتح] " (١).

وللآية الكريمة نظائر في القرآن الكريم، منها قوله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ... (٥٥)} [غافر].

قلت: وليحذر من يجادل في آيات الله بلا برهان أتاه؛ فالله تعالى قال في الآية بعدها: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٥٦)} [غافر] وقال بعد الآية الثالثة من السُّورة نفسها بصيغة الحصر: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (٤) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (٥)} [غافر].


(١) أحمد " المسند " (ج ١١/ص ٢٣٥/رقم ١٣٥٧٣)، والحاكم في " المستدرك " (ج ٢/ص ٤٥٩) كتاب التّفسير، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشّيخين ...

<<  <   >  >>