للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والآية ونظائرها، مثل قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ... (١٩)} [محمّد]، لها تأويل يعرفه الرّاسخون في العلم، فأَمْرُ الله لنبيّه بطلب المغفرة المراد منه تعليم الأمة ذلك؛ لحضّها على التّوبة، وطلب الاستغفار، والاستكثار منه. ولذلك قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: " يا أيّها النّاس، توبوا إلى الله فإنّي أتوب في اليوم مائة مرّة " (١).

كما أنّ أَمرَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الناس بالتَّوبة، موافق لقوله تعالى {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ ... (٣١)} [النّور] وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ... (٨)} [التّحريم].

وفي صحيح الإمام مسلم حديث فيه إشارة لسبب استغفار النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقد روى عن الأغرّ المُزنيّ ـ وكان له صحبة ـ أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إنّه ليُغَانُ على قلبي، وإنّي لأستغفر الله في اليوم مائة مرّة " (٢).

وقد بيّن العلماء سبب استغفاره ـ - صلى الله عليه وسلم -، وخلاصة أقوالهم: أنّه كان يُغَان على قلبه - صلى الله عليه وسلم - بمعنى يغطّى عليه، والمراد ما كان يتغشّى قلبه - صلى الله عليه وسلم - من غفلات الذّكر من غير عمد، وهَمٌّ يعتريه رحمةً بأمّته لما أُطلع عليه من أحوالها بعده، فيستغفر الله افتقاراً إليه، وإعظاماً له، وإظهاراً لشكره.

واستغفاره - صلى الله عليه وسلم - موافق لقوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (٣)} [النّصر] وقوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (١٠٦)} [النساء] فالنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مأمور بالتَّوبة، والاستغفار، والتَّسبيح، والدّعاء ... ؛ لنقتديَ به، فهذا معنى قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ


(١) مسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي " (م ٩/ج ٧/ ص ٢٤) كتاب الذكر والدعاء.
(٢) المرجع السَّابق.

<<  <   >  >>