للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (٢١)} [الأحزاب].

كذلك النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يعلّمنا الاعتراف بالتّقصير، ولو كانت صالحُ أعمالنا كالجبال، فهذا أبو بكر الصّدّيق ـ رضي الله عنه ـ يأتي ذات يوم النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ويطلب منه أن يعلّمه دعاء يدعو به في صلاته، فيعلّمه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - دعاء يظهر فيه الافتقار إلى الله!

أخرج البخاري عن عبد الله بن عمرو أنّ أبا بكر الصّديق ـ رضي الله عنه ـ قال للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: " يا رسول الله علّمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: قل: اللّهمّ إنّي ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذّنوب إلاّ أنت، فاغفر لي من عندك مغفرة إنّك أنت الغفور الرّحيم " (١) والمسألة فيها أقوال أُخَر يضيق المقام عن ذكرها، وحسبنا ما اقتصرنا عليه منها.

ومنهم من يتعلّق بدعاء النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الّذي رواه مسلم عن أبي موسى الأشعري: " اللّهمّ اغفر لي خطيئتي، وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به منّي، اللّهمّ اغفر لي جِدّي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكلّ ذلك عندي. اللّهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسْرَرْتُ وما أعلنتُ، وما أنت أعلم به منّي، أنت المقدّمُ، وأنت المؤخّر، وأنت على كلّ شيء قدير " (٢).

ويظنّ هذا المتعلّق أنّ هذا الحديث قاصمة الظّهر؛ فالحديث صحيح، والنّص صريح، فالنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: " وكلّ ذلك عندي "؟! أي أنّه متَّصِفٌ بهذه الأشياء، ويطلب غفرانها.

ولا يخفى أنّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال هذا الدُّعاء وغيره تواضعاً واستجابة لأمر الله وتعليماً لأمّته؛ لأنّ الله تعالى أمِر بالدّعاء، وعدَّ الأخذَ به عبادة، وتركَهُ استكباراً، قال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ


(١) البخاري " صحيح البخاري " (م ٤/ج ٨/ ص ١٦٨) كتاب التّوحيد، وأخرجه أيضاً في كتاب الدّعوات، وكتاب الأذان. ورواه مسلم " صحيح مسلم بشرح النّووي " (م ٩/ ج ١٧/ ص ٢٧) وانظر " النّكت على العمدة في الأحكام " للزركشي (ص ١٢٠) باب التّشهّد.
(٢) مسلم " صحيح مسلم بشرح النّووي " (م ٩/ج ١٧/ص ٤٠) كتاب التّوبة.

<<  <   >  >>