للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قريش كاعّة (١) حتّى توفّي أبو طالب " (٢).

وسيرته في حياطته النَّبيِّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ والدِّفاع عنه ذائعة، ومن مشهور شعره في ذلك، قوله:

والله لنْ يَصِلوا إليك بجمعهم ... حتّى أوسَّد في التُّراب دفينا

فلقد علمت بأنّ دينَ محمَّدٍ ... مِنْ خير أديان البرية دينا

وكان أبو طالب يعرف أنَّه رسول الله، لكنه لم يقرّ له بذلك، ولذلك تجده يقول:

وَدَعوْتني وعلمتُ أنّك صادقٌ ... ولقد صدقت وكنت قَبْل أمينا

وظل أبو طالبٍ مُقيماً على نصرة الرَّسول حياته كلّها، ويأمر بنصرته، ولمّا حضرت أبا طالب الوفاةُ، أراد النَّبيُّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ سيِّد الأوفياء أنّ يردَّ الجميلَ والمعروفَ لعمّه، فدخل عليه قبل أن يدخل في الغرغرة، وعنده أبو جهل، وعبد الله بن أبي أميّة، فقال:

" أي عمّ قل لا إله إلا الله، كلمة أُحاجّ لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أميّة: يا أبا طالب، ترغب عن ملّة عبد المطّلب؟ فلم يزالا يكلّمانه حتى قال آخرَ شيءٍ كلّمهم به: على ملّة عبد المطّلب، فقال النَّبيُّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ: لأستغفرنّ لك ما لم أُنْهَ عنه، فنزلت: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١١٣)} [التوبة]، ونزلت: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ... (٥٦)} [القصص] " (٣).

أمّا من قال: لم يُغْنِ النّبيُّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ عن عمّه شيئاً، مع أنّه كان ينصره! فقد أجاب عن هذه المسألة النَّبيُّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ نفسه، فقد أخرج البخاري في صحيحه أنّ العبّاس بن عبد المطّلب


(١) أي جبانة.
(٢) الحاكم " المستدرك " (ج ٢/ص ٦٢٢) كتاب تواريخ المتقدّمين، وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه، وقال الألباني: فيه عقبة المُجَدّر، ولم يخرِّج له الشّيخان، وهو صدوق، فالإسناد جيّد " صحيح السّيرة النّبويّة " (ص ٣١).
(٣) البخاري " صحيح البخاري " (م ٢/ج ٤ / ص ٢٤٧) كتاب بدء الخلق.

<<  <   >  >>