للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنه ـ يستنفر أهل الكوفة لقتال عائشة ـ رضي الله عنها ـ فهذا لا يَصِحُّ، فالخليفة عليّ ـ رضي الله عنه ـ يعرف أنّ خروج عائشة ـ رضي الله عنها ـ من أصله كان قدراً مقدوراً، فقد حذّرها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في حياته من الخروج، وسمع عليّ ـ رضي الله عنه ـ هذا التّحذير، وسمع طلب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - منه أن يرفق بها، فقد أخرج الحاكم بإسناد صحيح عن سالم بن أبي الجعد عن أمّ سلمة ـ رضي الله عنها ـ، قالت:

" ذَكرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - خروج بعض أمّهات المؤمنين، فضحكت عائشة، فقال: انظري يا حُمَيْرَاء (١)، ألاّ تكوني أنت، ثمّ التفت إلى عليّ، فقال: إنْ وليتَ من أمرها شيئاً، فارفقْ بها " (٢).

فكيف يصحّ القول بأنّ عليّاً ـ رضي الله عنه ـ كان يحرّض على قتالها، وقد أمره النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالرّفق بها؟! وإنّما استنفر عليّ ـ رضي الله عنه ـ أهل الكوفة لأنّه خَشِيَ على عائشة ـ رضي الله عنها ـ فخرج ومن معه إلى البصرة ليجتمع بعائشة ـ رضي الله عنها ـ ويعيدها إلى مأمنها.

فقد أخرج أحمد بإسناد حسن عن أبي رافع أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعليّ بن أبي طالب: " إنّه سيكون بينك وبين عائشة أمر، قال: أنا يا رسول الله؟! قال: نعم، قال: أنا؟! قال: نعم، قال: فأنا أشقاهم يا رسول الله؟ قال: لا، ولكن إذا كان ذلك فارْدُدْهَا إلى مَأْمَنِها " (٣).

فالله تعالى أطلع نبيّه - صلى الله عليه وسلم - على ما يقع بين عليّ وعائشة، فالنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كان يعلم أنّ أمراً (حدثاً) سيقع بينهما، وليس معركة كما يصّورون ويهوّلون! ولم ينهَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عليّا ولا عائشة؛ لأنّه يعلم أنّ هذا الأمر واقع بأمر الله ليظهر عذرهما، وإنّما نبههما وأوصى عليّا بها، فالله تعالى إذا أراد شيئا هيّأ الأسباب له.


(١) تصغير حَمْراء ويفيد التحبُّب.
(٢) الحاكم " المستدرك " (ج ٣/ ص ١١٩) كتاب معرفة الصّحابة، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
(٣) أحمد " المسند " (ج ١٨/ص ٤٦٨/رقم ٢٧٠٧٦).

<<  <   >  >>