للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاختلاف.

فعذرها ـ رضي الله عنها ـ أنّها كانت تريد الإصلاح، وكانت متأوِّلةً لقوله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (١١٤)} [النّساء]

فخروجها خروج طاعة لا خروج معصية، وهذا فيه ردٌّ على من حَمَلَ على خروج عائشة ـ رضي الله عنها ـ واحتجّ بقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ... (٣٣)} [الأحزاب] وقوله - صلى الله عليه وسلم - لنسائه عام حجّة الوداع: " هذه ثمّ ظهور الحُصُر " (١).

فإنّ خروج الطّاعة لا ينافي أمر الله ورسوله بالقعود، وليس في الآية أو الحديث الشّريف أمر بالقعود عن الحجّ أو الإصلاح بين النّاس، أو ما فيه مصلحة للمسلمين، فاحتجاجهم بالآية أو الحديث الشّريف على المنع مطلقاً ليس صحيحاً، وقد كان معها محرمها عبد الله بن الزّبير بن العوّام، إذ أنّ عائشة ـ رضي الله عنها ـ تكون خالته؛ فوالدة عبد الله بن الزّبير هي أسماء بنت أبي بكر الصّدّيق ذات النّطاقين أخت عائشة.

أيضا لو كان في خروجها معصيةٌ لله تعالى ما أخبر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنّها زوجته في الآخرة، أخرج البخاري عن الحكم عن أبي وائل قال: " قام عمّار على منبر الكوفة فذكر عائشةَ، وذكر مسيرها، وقال: إنّها زوجةُ نبيّكم - صلى الله عليه وسلم - في الدّنيا والآخرة " (٢).

ولو كان في خروج مَنْ كانَ معها مثل طلحة والزّبير معصية لله ما أخبر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنّهما شهيدان فقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ: " أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان على حِرَاء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وطلحة والزّبير، فتحرّكت الصّخرةُ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اهدأ؛ فما عليك إلاّ نبيٌّ، أو صدِّيقٌ، أو شهيد " (٣) فكيف يحكم - صلى الله عليه وسلم - أنّ


(١) أحمد بإسناد صحيح عن أبي هريرة " المسند " (م ١٨/ص ٣١٥/رقم ٢٦٦٣٠)
(٢) البخاري " الصحيح " (م ٤/ج ٨/ ص ٩٧) كتاب الفتن.
(٣) مسلم " صحيح مسلم بشرح النّوويّ " (م ٨/ج ١٥/ص ١٩٠) كتاب فضائل الصّحابة.

<<  <   >  >>