للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأنّ يحيى بن معين من كبار الآخذين عن تَبَعِ الأتباع، وهو ثقة حافظ إمام الجرح والتّعديل، روى له البخاري، ومسلم وغيرهما. وقال محمّد بن هارون الفلاس: " إذا رأيت الرّجل يقع في يحيى بن معين فاعلم أنّه كذّاب يضع الحديث، وإنّما يبغضه لما يبيّن من أمر الكذّابين " (١).

فلا يُصدّق أن هذا العالِم الّذي كان ينفي الكذب عن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويبيّن أمر الكذّابين يُحدِّث بمثل هذه الأخبار وهو لم يدركها، فقد ولد سنة (١٥٨ هـ) وصفّين كانت سنة (٣٧ هـ).

ثمّ كيف للمسعودي المتوفى سنة (٣٤٦ هـ) أن يُحدِّث عن أحمد الدّورقي المتوفى سنة (٢٤٦ هـ) فالخبر مُعضِل أو مُنْقَطِع لأنّه سقط من إسناده اثنان أو واحد، ومثل هذا الإسناد غير المتّصل من طرفيه لا تقوم به حُجَّة، والدّورقي ترجم له الحافظ في " تقريب التّهذيب " (٢) ورتبته ثقة، فلا يصحّ نسبة هذه الأخبار له.

ثمّ ذهب المسعودي إلى أنّ العدد أكثر ممّا قيل، أي أنّه يُجرِّح أحمد الدّورقي وشيخه يحيى بن معين، والجرحُ به أَوْلى، والمسعودي يُرَدّ عليه ولا يُؤْخذ منه فهو يذكر الأخبار دون الاهتمام بأسانيدها، وقد انتقده ابن خلدون في مقدمته بعد الحديث عن أصناف المدركين للغيب من البشر، فقال: " وقد تكلّم عليها المسعودي في مروج الذّهب. ويظهر من كلام الرّجل أنّه كان بعيداً عن الرّسوخ في المعارف، فينقل ما سمع من أهله ومن غير أهله " (٣).

وقال المسعودي بعد ذلك: " وأمّا الهيثم بن عدي الطّائي وغيره مثل الشرقي بن القطامي وأبي مخنف فذكروا ما قدّمنا، وهو أنّ جملة من قُتِل من الفريقين جميعاً سبعون ألفاً: من أهل الشّام خمسة وأربعون ألفاً، فيهم خمسة وعشرون بدريّاً ... " (٤).


(١) الذّهبي " سير أعلام النبلاء " (ج ١١/ص ٨٣).
(٢) ابن حجر " تقريب التّهذيب " (ص ٧٧/رقم ٣).
(٣) ابن خلدون " مقدمة ابن خلدون " (ص ١١٩).
(٤) المسعودي " مروج الذّهب " (م ٢/ص ٤١٢).

<<  <   >  >>