أنّ الواجب إذا صحّ شيء عن الصّحابة ـ رضي الله عنهم ـ أن نحمله على أحسن تأويل إذ هم أهل لذلك بصريح القرآن والسُّنَّة.
وَذِكْرُنا لما جرى بين أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لا ينافي أمر النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالإمساك عن الحديث عن أصحابه؛ لأنّ ما ذكرناه هو الحقّ الّذي لا بدّ من بيانه من عدالة الصّحابة خلافاً لما يذكره المبطلون من أخبار كاذبة يتّخذونها مدخلاً للطّعن على أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ليوقعوا العامّة في بُغْضِهم.
فالإمساك الّذي أمر - صلى الله عليه وسلم - به هو الإمساك عن الكلام عنهم إذا كان فيه تنقيص لهم، أو وضع منهم، أو إزراء بهم، أمّا ذكرهم للذّبِّ عنهم وبيان فضائلهم والاقتداء بهم فلا يُفهم ذلك من الحديث، فلو أمسكنا عن الحديث كيف سيفهم الجاهل الحقَّ من الباطل، ومتى سيعرف المؤمنُ الصّحيحَ من السَّقيم؟! ومن الأقوال السّائرة عند العرب:" اعْقِل لسانَك إلاّ في أربعة: حقٍّ توضِّحه، وباطلٍ تدحضه، ونعمةٍ تشكرها، وحكمة تظهرها "(١).
وقد بلغ من جهل الجهلاء أن وصفوا من يُحِقِّق فيما جرى بين أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بمن يعبث بأكفان الموتى، أو بمن شَغَلَ نفسه بنبش قبور الموتى، وهذا أعجب ما سمعت؛ إذ أباحوا لأنفسهم كتابة الأباطيل، وعابوا على غيرهم بيان زيفها! فهم لا يريدون أن نعرف من تاريخنا الإسلامي إلاّ ما أرادوه لنا!
ولا عجب أن يسخر أقوام ممّن غايته بيان عُذْر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتنزيه الصّحابة وإظهار قدرهم؛ فأعجب من ذلك أنّهم ما قدروا الصّحابة أنفسهم، وهذا يذكّر بقول الله تعالى خطاباً لنبيّه - صلى الله عليه وسلم -: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢) وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (١٣) وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (١٤)} [الصّافات].
وهذا البلاء ليس باستطاعة معاوية ـ رضي الله عنه ـ دفعه، فالله تعالى إذا أراد شيئاً أصابه، فقد قال له النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم: " يا معاوية، إن وُلِّيتَ أمراً فاتق الله ـ عزّ وجلّ ـ