على الدّين وعلى عليّ أمير المؤمنين، وسمّوا بعد ذلك بالحروريّة لأنّهم فارقوا عليّاً واعتزلوه ونزلوا في مكان قرب الكوفة يسمّى حروراء، واتّفقوا هناك على قتال أهل العدل، فأرسل إليهم عليّ ابن عبّاس فناظرهم فحجّهم فرجع منهم ألفان.
وما كان عليّ ـ رضي الله عنه ـ ليقاتل هؤلاء إلاّ بعد أن ظهر منهم ما يوجب قتالهم، وما قاتلهم إلاّ بعد أن أقام الحجّة عليهم عملاً بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ... (١١٥)} [التّوبة].
فقد أرسل لهم عليّ ابن عبّاس وهو حبر هذه الأمّة وترجمان القرآن، فدخل عليهم في دارٍ نصف النّهار، وسألهم عمّا نقموه على عليّ، فذكروا أموراً ثلاثة:
إحداهنّ: أنّه حَكَّم الرِّجال في أمر الله، والله يقول: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ... (٥٧)} [الأنعام] والثّانية: أنّه قاتل ولم يَسْبِ ولم يغنم، والثّالثة: أنّه محا نفسه من أمير المؤمنين.
فاشترط عليهم ابن عبّاس أن يرجعوا إذا قرأ عليهم من كتاب الله تعالى وسنّة نبيّه - صلى الله عليه وسلم - ما يردّ قولهم، فوافقوا.
فقرأ عليهم ردّاً على مطعنهم الأول قول الله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ... (٩٥)} [المائدة] فقد صيَّر الله حكمه إلى الرّجال في قتل صيد الأرنب ونحوه في حالة الإحرام بحج أو عمرة، ومقتضى كلام ابن عبّاس أنّ الله تعالى لو شاءَ لحَكمَ، ولكن أَجَازَ للرّجال أن تحكم، فكأنّه يقول لهم: فأيّهما أولى وأفضل حكم الرّجال في أرنب أم في إصلاح ذات البين بين معاوية وعليّ وحقن دماء المسلمين بين الطّائفتين المؤمنتين؟
ثمّ قرأ عليهم آية أخرى تجيز حكم الرّجال في إصلاح ذات البين وذلك بين الزَّوجين، وأنّ دَمَ أمّة محمّد - صلى الله عليه وسلم - أعظمُ حرمةً من امرأة ورجل مختلفين، فقرأ عليهم قول الله تعالى في امرأة ورجل: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ