للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وانظر إلى هذه الفوائد في الحديثين السّابقين، ففيهما وصف لمعاوية بالفقه والصّحبة، وفيهما زجر للمُنْكِرِ على معاوية في اجتهاده، فلا مسوّغ للإنكار عليه إذ لا يفعل شيئاً إلا بمستند وبرهان فهو أهل للاجتهاد. وبهذا يُعرف عذر معاوية في صفّين إذ أنّه من أهل الفقه والاجتهاد، وقد وافقه جمع من الصَّحابة ـ رضي الله عنهم ـ وتابعوه في اجتهاده ووقفوا معه، فهو أعلم بحُكْمِ الله تعالى فيما جرى، وينتج عن ذلك عذرُه كما تقرّر.

أمّا الفائدة الّتي عَزَّ على كثير التنبّه إليها وقَلَّ مَنْ يلحظها، فهي أنّ هذه الشّهادة جاءت من حبر هذه الأمّة وترجمان القرآن عبد الله بن عبّاس، الّذي لا يُتَّهم بمحاباة معاوية، فهو من أهل البيت والتّابعين للخليفة عليّ ـ رضي الله عنه ـ فهو ابن عمّه، والقائم على نصرته في حياته وبعد استشهاده، لكنّ ذلك كلّه لم يمنعه من قول الحقّ الّذي تَربَّى عليه في مدرسة النَّبيِّ محمّد - صلى الله عليه وسلم -.

وتأمّل هذا الدّعاء من النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لمعاوية ـ رضي الله عنه ـ، فقد أخرج أحمد بسند صحيح عن عبد الرّحمن بن أبي عميرة الأزدي، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنّه ذَكرَ معاوية، وقال " اللهمّ اجعله هادياً مهديّاً، واهْدِ به " (١).

وروي عن أبي الدّرداء ـ رضي الله عنه ـ، قال: " ما رأيتُ أشبه صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أميركم هذا، يعني معاوية " (٢).

ويكفي الّذين يلمزونه إثماً أنّهم يردّون كلام الله؛ لأنّ الله تعالى أثنى عليه فيمن أثنى عليهم، فقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ... (٢٩)} [الفتح] فالصّحابة ـ رضي الله عنهم ـ هم المُثنى عليهم في التّوراة والإنجيل والقرآن، ومعاوية ـ رضي


(١) أحمد المسند " (ج ١٣/ص ٥٣٩/رقم ١٧٨٢١) وإسناده صحيح، وأخرجه التّرمذي في " الجامع الكبير " (م ٦/ص ١٥٧/رقم ٣٨٤٢) أبواب المناقب. وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. وهو في "صحيح سنن التّرمذي " للألباني (ج ٣/ص ٢٣٦/رقم ٣٠١٨).
(٢) الذّهبي " سير أعلام النبلاء " (ج ٣/ص ١٣٥) وقال المحقّق: رجاله ثقات، وذكره المحدّث ابن حجر الهيثمي في " تطهير الجنان " (ص ٢٤) وقال: رجاله رجال الصّحيح إلاّ واحدا منهم فثقة.

<<  <   >  >>