للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنده أكثر من والده وولده والنَّاس أجمعين؛ فمحبّة الرّسول ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ آكد عليه من محبّة من في الأرض جميعاً؛ لأنّ معرفةَ الحقّ بعد الضّلال والنّجاة من المهلكات والنّار إنّما كان بتوفيق من الله تعالى على لسان الرّسول ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ.

ثمّ انظر كيف قَدَّم ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ الوالد على الولد للأكثرية، فكلّ واحد له والد، ولا يلزم أن يكون له ولد، ثمّ عطف النَّبيُّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ الناس بعد الوالد والولد من عطف العام على الخاص للأهميّة، فسبحان مَنْ بعثه بجوامع الكَلِم!

وقد بين ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ أن من ثمرات الإيمان محبة الله ورسوله، أخرج البخاري عن أنس عن النَّبيِّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ قال: " ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكونَ الله ورسولُه أحبَّ إليه ممّا سواهما ... " (١).

والإيمان بالله تعالى يستوجب محبة النَّبيِّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وإعلاء قدره على كلّ والد وولد ونفس، أخرج البخاري عن عبد الله بن هشام قال: " كنَّا مع النَّبيِّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وهو آخذ بيد عمر ابن الخطَّاب، فقال له عُمَرُ: يا رسول الله، لأنتَ أحبُّ إليَّ من كلِّ شيء إلاّ من نفسي، فقال النّبيُّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ له: لا والّذي نفسي بيده حتَّى أكونَ أحبَّ إليك من نفْسك، فقال له عُمَر: فإنَّه الآن والله لأنتَ أحبُّ إليَّ من نفسي، فقال النَّبيُّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ: الآن يا عُمَر " (٢).

ومن ثمرات محبّة الرّسول ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ أنّ من أحبّه كان معه يوم القيامة أخرج البخاري عن أنس: " أنّ رجلاً من أهل البادية أتى النَّبيَّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ، فقال: يا رسول الله، متى السّاعةُ قائمة؟ قال: ويلك، وما أعددتَ لها؟ قال: ما أعددتُ لها، إلاّ أنّي أحبُّ الله ورسوله، قال: إنّك مع من أحببت، فقلنا: ونحن كذلك؟ قال: نعم؛ ففرحنا يومئذ فرحاً شديداً " (٣).


(١) البخاري " صحيح البخاري " (م ١/ ج ١/ ص ٩) كتاب الإيمان. والحديث فيه استعارة تخيلية جميلة، فقد شبّه ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ الرغبة في الإيمان بشيء حلو.
(٢) البخاري " صحيح البخاري " (م ٤ / ج ٧ / ص ٢١٨) كتاب الأيمان والنذور.
(٣) البخاري " صحيح البخاري " (م ٤/ج ٧/ص ١١٢) كتاب الأدب.

<<  <   >  >>