للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يدافعوا عنه لما للكلمة من تأثير ووقع، فأرسل إلى عبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك، لكنّه لم يَرْضَ إلاّ عن أسد الشّعراء حسَّان، ففي الصّحيح عن عائشة أنّ رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ، قال:

" اهْجوا قُريْشاً، فإنّه أشدُّ عليها من رَشْق بالنَّبْل، فأرسل إلى ابن رواحة، فقال: اهْجُهُم، فلم يُرْض، فأرسل إلى كعْب بن مالك، ثمَّ أرسل إلى حسّان بن ثابت، فلمّا دخل عليه، قال حسّان: قدْ آنَ لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضَّارب بذَنَبِه (١)، ثمّ أدْلعَ (أخرج) لسانه فجعل يُحرّكه، فقال: والّذي بعثَكَ بالحقّ لأفرينّهم بلساني فرْيَ الأديم، فقال رسول الله: لا تعجل فإنّ أبا بكر أعلمُ قريش بأنسابها، وإنّ لي فيهم نسباً حتّى يُلخّصَ لك نسبي، فأتاه حسّان، ثمّ رجع، فقال: يا رسول الله قدْ لخّصَ لي نسبك والّذي بعثك بالحقّ لأسلّنّك منهم كما تسلُّ الشّعرة من العجين، قالت عائشة: فسمعتُ رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ يقول لحسّان: إنّ روح القدس لا يزال يؤيّدك ما نافحْتَ عن الله ورسوله، وقالتْ: سمعتُ رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ يقول: هَجَاهم حسّان فشفى واشْتَفى، قال حسّان:

هجَوْتَ محمّداً فأجبتُ عنْهُ ... وعنْد الله في ذاكَ الجزاءُ

هجوْتَ محمّدا بَرّاً حنيفا ... رسول الله شيْمتُه الوفاءُ

فإنّ أبي ووالدُهُ وعِرْضي ... لعِرْض محمّدٍ منكم وقاءُ" (٢)

وهذه الأبيات قالها حسّان قُبَيْلَ فتح مكّة، قالها في مدح النَّبيِّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وهجاء قريش، فوقعت كلماته في نفوسهم موقع السِّهام في شغاف القلوب فآلمهم وأبكمهم، والقصيدة بطولها في ديوانه، ومنها قوله ـ رضي الله عنه ـ:

وقال الله قد أرْسلتُ عَبْداً ... يقول الحقّ ليس به خفاءُ

وقال الله قد يسّرتُ جنْداً ... هم الأنصار عرْضَتُها اللقاءُ


(١) شبه حسّان نفسه بالأسد ولسانه بذنبه.
(٢) مسلم " صحيح مسلم بشرح النووي " (م ٨/ج ١٦/ص ٤٨) كتاب فضائل الصّحابة.

<<  <   >  >>