للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنّي ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمّداً فليتبوأ مقعده من النّار " (١).

هذا من أشهر الأحاديث الّتي يعتلُّ بها أقوام في ردِّهم للحديث الشّريف، فالنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ينهى أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ عن كتابة الحديث، ويأمرهم بمحو ما كتبوه خشية أن يختلط بالقرآن. ونحن نعلم أنّ هذا الحديث صحيح وصريح، ولكن الّذين ذهبوا إلى أنّ ما كان عليه السّلف من عدم الكتابة أسلم، وأنّ ما هم عليه من عدم قبولهم للحديث أحكم؛ بنصّ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهذا تأويلٌ غير سائغ، وقولٌ جمعَ به قائلُه بين الجهل بحديث النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وبطريقة السّلف، والدّعوى بطريق الخلف.

وأحاديث النّهي عن الكتابة منسوخة، فهناك أحاديث صريحة بجواز كتابة العلم غير القرآن، منها ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة: " ... فقام رجلٌ من أهل اليمن يُقال له: أبو شاه، فقال: اكْتُبْ لي يا رسولَ الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اكتبوا لأبي شاهٍ، ثمّ قام رجل من قريش، فقال: يا رسول الله، إلا الإذخِر (٢)، فإنّما نجعله في بيوتنا وقبورنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إلاّ الإذْخِر " (٣).

ومثله حديث عليّ ـ رضي الله عنه ـ قال: " والله ما عندنا من كتاب يُقرأ إلاّ كتابُ الله وما في هذه الصّحيفة ... " (٤).

ومثله ما أخرجه البخاري عن وهب بن منبّه عن أخيه، قال: سمعت أبا هريرة يقول: " ما من أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أحدٌ أكثر حديثاً عنه منّي إلاّ ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنّه


(١) مسلم " صحيح مسلم بشرح النّووي " (م ٩/ ج ١٨/ ص ١٢٩) كتاب الزّهد.
(٢) الإذخِر: حشيش معْروف طيّب الرّائحة.
(٣) البخاري " صحيح البخاري " (م ٤/ج ٨/ص ٣٨) كتاب الدّيات. ومسلم " صحيح مسلم بشرح النّووي " (م ٥/ ج ٩/ ص ١٢٩) كتاب الحجّ.
(٤) البخاري " صحيح البخاري " (م ٤/ ج ٨/ص ١٤٤) كتاب الاعتصام بالكتاب والسّنّة.

<<  <   >  >>