وَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ جُزْءٍ وَاحِدٍ مِنْهَا، حَيْثُ قَالَ: "أَعْلَاهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ". فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ سَائِرَ الأَجْزَاءِ مِنْ هَذِهِ الشُّعْبَةِ كُلُّهَا مِنَ الإِيمَانِ، ثُمَّ عَطَفَ فَقَالَ: "أَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ"، فَذَكَرَ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ شُعَبِهِ هِيَ نَفْلٌ كُلُّهَا لِلْمُخَاطَبِينَ فِي كُلِّ الأَوْقَاتِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ سَائِرَ الأَجْزَاءِ الَّتِي هِيَ مِنْ هَذِهِ الشُّعْبَةِ وَكُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الشُّعَبِ الَّتِي هِيَ مِنْ بَيْنِ الْجُزْأَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي هَذَا الْخَبَرِ اللَّذَيْنِ هُمَا مِنْ أَعْلَى الإِيمَانِ وَأَدْنَاهُ كُلُّهُ مِنَ الإِيمَانِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلى الله عَلَيه وسَلم: "الْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ"، فَهُوَ لَفْظَةٌ أُطْلِقَتْ عَلَى شَيْءٍ بِكِنَايَةِ سَبَبِهِ، وَذَلِكَ لأَنَّ الْحَيَاءَ جِبِلَّةٌ فِي الإِنْسَانِ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَكْثُرُ ذلك فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقِلُّ ذَلِكَ فِيهِ، وَهَذَا دَلِيلٌ صَحِيحٌ عَلَى زِيَادَةِ الإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ، لأَنَّ النَّاسَ لَيْسُوا كُلُّهُمْ عَلَى مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْحَيَاءِ، فَلَمَّا اسْتَحَالَ اسْتِوَاؤُهُمْ عَلَى مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ فِيهِ، صَحَّ أَنَّ مَنْ وُجِدَ فِيهِ منه أَكْثَرُ، كَانَ إِيمَانُهُ أَزْيَدَ، وَمَنْ وُجِدَ فِيهِ مِنْهُ أَقَلُّ، كَانَ إِيمَانُهُ أَنْقَصَ. وَالْحَيَاءُ فِي نَفْسِهِ: هُوَ الشَّيْءُ الْحَائِلُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ مَا يُبَاعِدُهُ مِنْ رَبِّهِ عَنِ الْمَحْظُورَاتِ، فَكَأَنَّهُ صَلى الله عَلَيه وسَلم جَعَلَ تَرْكَ الْمَحْظُورَاتِ شُعْبَةً مِنَ الإِيمَانِ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْحَيَاءِ عَلَيْهِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. [١٦٧]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute