قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: تَبَايُنُ الأَلْفَاظِ فِي قِصَّةِ النُّحْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَدْ يُوهِمُ عَالَمًا مِنَ النَّاسِ أَنَّ الْخَبَرَ فِيهِ تَضَادٌّ وَتَهَاتُرٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لأَنَّ النُّحْلَ مِنْ بَشِيرٍ لاِبْنِهِ كَانَ فِي مَوْضِعَيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ، وَذَاكَ أَنَّ أَوَّلَ مَا وُلِدُ النُّعْمَانُ أَبَتْ عَمْرَةُ أَنْ تُرَبِّيَهُ حَتَّى يَجْعَلَ لَهُ بَشِيرٌ حَدِيقَةً، فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَأَرَادَ الإِشْهَادَ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيه وسَلم: "لَا تُشْهِدْنِي إِلَاّ عَلَى عَدْلٍ، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ"، عَلَى مَا فِي خَبَرِ أَبِي حَرِيزٍ، تُصَرِّحُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ، أَنَّ الْحَيْفَ فِي النُّحْلِ بَيْنَ الأَوْلَادِ غَيْرُ جَائِزٍ، فَلَمَّا أَتَى عَلَى الصَّبِيِّ مُدَّةٌ، قَالَتْ عَمْرَةُ لِبَشِيرٍ: انْحَلِ ابْنِي هَذَا، فَالْتَوَى عَلَيْهَا سَنَةً، أَوْ سَنَتَيْنِ عَلَى مَا فِي خَبَرِ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، وَالْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، فَنَحَلَهُ غُلَامًا، فَلَمَّا جَاءَ الْمُصْطَفَى صَلى الله عَلَيه وسَلم، لِيُشْهِدَهُ، قَالَ: "لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ"، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ النُّعْمَانُ، قَدْ نَسِيَ الْحُكْمَ الأَوَّلَ، أَوْ تَوَهَّمَ أَنَّهُ قَدْ نُسِخَ، وَقَوْلُهُ صَلى الله عَلَيه وسَلم: "لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ"، فِي الْكَرَّةِ الثَّانِيَةِ زِيَادَةُ تَأْكِيدٍ فِي نَفْيِ جَوَازِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النُّحْلَ فِي الْغُلَامِ لِلنُّعْمَانِ كَانَ ذَلِكَ، وَالنُّعْمَانُ مُتَرَعْرِعٌ أَنَّ فِيَ خَبَرِ عَاصِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيه وسَلم قَالَ لَهُ: "مَا هَذَا الْغُلَامُ؟ " قَالَ: غُلَامٌ أَعْطَانِيهِ أَبِي، فَدَلَّتْكَ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عَلَى أَنَّ هَذَا النُّحْلَ غَيْرُ النُّحْلِ الَّذِي فِي خَبَرِ، أَبِي حَرِيزٍ فِي الْحَدِيقَةِ، لأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ امْتِنَاعِ عَمْرَةَ عَنْ تَرْبِيَةِ النُّعْمَانِ عِنْدَمَا وَلَدَتْهُ، ضِدَّ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَخْبَارَ الْمُصْطَفَى صَلى الله عَلَيه وسَلم، تَتَضَادُّ، وَتَتَهَاتَرُ.
وَأَبُو حَرِيزٍ، كَانَ قَاضِيَ سِجِسْتَانَ. [٥١٠٧]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute