فقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَا تَفْعَلْ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا، فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ، وَغَوْغَاءَهُمْ، وَإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى مَجْلِسِكَ، فَأَخْشَى إِنْ قُلْتَ فِيهِمُ الْيَوْمَ مَقَالاً أَنْ يَطِيرُوا بِهَا، وَلَا يَعُوهَا، وَلَا يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، أَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ، فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ، وَتَخْلُصَ بِعُلَمَاءِ النَّاسِ وَأَشْرَافِهِمْ، فَتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا، فَيَعُوا مَقَالَتَكَ، وَيَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا. قَالَ عُمَرُ: وَاللهِ لَئِنْ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ صَالِحًا، لأُكَلِّمَنَّ بِهَا النَّاسَ فِي أَوَّلِ مَقَامٍ أَقُومُهُ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِي عَقِبِ ذِي الْحِجَّةِ، وَجَاءَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، هَجَّرْتُ صَكَّةَ الأَعْمَى لِمَا أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَوَجَدْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ، فَجَلَسَ إِلَى رُكْنٍ جَانِبَ الْمِنْبَرِ الأَيْمَنِ، فَجَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ تَمَسُّ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ، فَلَمْ يَنْشَبْ عُمَرُ أَنْ خَرَجَ، فَأَقْبَلَ يَؤُمُّ الْمِنْبَرَ، فَقُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَعُمَرُ مُقْبِلٌ: وَاللهِ لَيَقُولَنَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ الْيَوْمَ مَقَالَةً لَمْ يَقُلْهَا أَحَدٌ قَبْلَهُ. فَأَنْكَرَ ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَقَالَ: مَا عَسَى أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ قَبْلَهُ!
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute