ثُمَّ أَلْهَمَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا صَفِيَّهُ صَلى الله عَلَيه وسَلم حِينَئِذٍ، حَتَّى قَالَ لِمُوسَى: "قَدْ سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، لَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ". فَلَمَّا جَاوَزَ نَادَاهُ مُنَادٍ: "أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي"، أَرَادَ بِهِ الْخَمْسَ صَلَوَاتٍ، "وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي"، يُرِيدُ: عَنْ عِبَادِي مِنْ أَمْرِ الاِبْتِلَاءِ الَّذِي أَمَرْتُهُمْ بِهِ مِنْ خَمْسِينَ صَلَاةً الَّتِي ذَكَرْنَاهَا.
وَجُمْلَةُ هَذِهِ الأَشْيَاءِ فِي الإِسْرَاءِ رَآهَا رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم بِجِسْمِهِ عِيَانًا دُونَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ رُؤْيَا، أَوْ تَصْوِيرًا صُوِّرَ لَهُ، إِذْ لَوْ كَانَ لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ وَمَا رَأَى فِيهَا نَوْمًا دُونَ الْيَقَظَةِ، لَاسْتَحَالَ ذَلِكَ، لأَنَّ الْبَشَرَ قَدْ يَرَوْنَ فِي الْمَنَامِ السَّمَاوَاتِ وَالْمَلَائِكَةَ وَالأَنْبِيَاءَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَمَا أَشْبَهَ هَذِهِ الأَشْيَاءَ، فَلَوْ كَانَ رُؤْيَةُ الْمُصْطَفَى صَلى الله عَلَيه وسَلم مَا وَصَفَ فِي لَيْلَةِ الإِسْرَاءِ فِي النَّوْمِ دُونَ الْيَقَظَةِ، لَكَانَتْ هَذِهِ حَالَةً يَسْتَوِي فِيهَا مَعَهُ الْبَشَرُ، إِذْ هُمْ يَرَوْنَ فِي مَنَامَاتِهِمْ مِثْلَهَا، وَاسْتَحَالَ فَضْلُهُ، وَلَمْ تَكُنْ تِلْكَ حَالَةً مُعْجِزَةً يُفَضَّلُ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ، ضِدَّ قَوْلِ مَنْ أَبْطَلَ هَذِهِ الأَخْبَارَ، وَأَنْكَرَ قُدْرَةَ اللهِ جَلَّ وَعَلَا وَإِمْضَاءَ حُكْمِهِ لِمَا يُحِبُّ كَمَا يُحِبُّ، جَلَّ رَبُّنَا وَتَعَالَى عَنْ مِثْلِ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ. [٥٠]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute