قال أبو حاتم: إن الله جل وعلا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معلما لخلقه، فأنزله موضع الإبانة عن مراده. فبلغ صلى الله عليه وسلم رسالاته، وبين عن آياته بألفاظ مجملة ومفسرة، عقلها عنه أصحابه أو بعضهم. وهذا الخبر من الأخبار التي يدرك معناه من لم يحرم التوفيق لإصابة الحق.
وذلك أن الله جل وعلا أرسل ملك الموت إلى موسى رسالة ابتلاء واختبار، وأمره أن يقول له: أجب ربك، أمر ابتلاء واختبار، لا أمرا يريد الله جل وعلا إمضاءه، كما أمر خليله صلى الله على نبينا وعليه بذبح ابنه أمر اختبار وابتلاء دون الأمر الذي أراد الله جل وعلا إمضاءه، فلما عزم على ذبح ابنه وتله للجبين فداه بالذبح العظيم.
وقد بعث الله جل وعلا الملائكة إلى رسله في صور لا يعرفونها، كدخول الملائكة على رسوله إبراهيم ولم يعرفهم، حتى أوجس منهم خيفة، وكمجيء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسؤاله إياه عن الإيمان والإسلام، فلم يعرفه المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى ولى.
فكان مجيء ملك الموت إلى موسى على غير الصورة التي كان يعرفه موسى عليه السلام عليها. وكان موسى غيورا، فرأى في داره رجلا لم يعرفه، فشال يده فلطمه، فأتت لطمته على فقء عينه في الصورة التي يتصور بها، لا الصورة التي خلقه الله عليها، ولما كان المصرح عن نبينا صلى الله عليه وسلم في خبر ابن عباس حيث قال:"أمني جبريل عند البيت مرتين"، فذكر الخبر، وقال في آخره:"هذا وقتك ووقت الأنبياء قبلك"، كان في هذا الخبر البيان الواضح أن بعض شرائعنا قد تتفق ببعض شرائع من قبلنا من الأمم.
ولما كان من شريعتنا أن من فقأ عين الداخل داره بغير إذنه، أو الناظر في بيته بغير أمره من غير جناح على فاعله، ولا حرج على مرتكبه، للأخبار الجمة الواردة فيه التي أمليناها في غير موضع في كتبنا: كان جائزا اتفاق هذه الشريعة بشريعة موسى بإسقاط الحرج عمن فقأ عين الداخل داره بغير إذنه،