قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قَوْلُهُ صَلى الله عَلَيه وسَلم: "فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ"، مِمَّا نَقُولُ فِي كُتُبِنَا: إِنَّ الْعَرَبَ تُضِيفُ الْفِعْلَ إِلَى الآمِرِ كَمَا تُضِيفُهُ إِلَى الْفَاعِلِ، فَأَطْلَقَ صَلى الله عَلَيه وسَلم اسْمَ التَّهَوُّدِ وَالتَّنَصُّرِ وَالتَّمَجُّسِ عَلَى مَنْ أَمَرَ وَلَدَهُ بِشَيْءٍ مِنْهَا بِلَفْظِ الْفِعْلِ، لَا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ هُمُ الَّذِينَ يُهَوِّدُونَ أَوْلَادَهُمْ، أَوْ يُنَصِّرُونَهُمْ، أَوْ يُمَجِّسُونَهُمْ، دُونَ قَضَاءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ فِي عَبِيدِهِ، عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِنَا.
وَهَذَا كَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيه وسَلم حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجَّتِهِ، يُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْحَالِقَ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم لَا نَفْسَهُ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم: "مِنْ حِينَ يَخْرُجُ أَحَدُكُمْ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الصَّلَاةِ فَخُطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً"، يُرِيدُ أَنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِذَلِكَ، لَا أَنَّ الْخُطْوَةَ تَحُطُّ الْخَطِيئَةَ، أَوْ تَرْفَعُ الدَّرَجَةَ. وَهَذَا كَقَوْلِ النَّاسِ: الأَمِيرُ ضَرَبَ فُلَانًا أَلْفَ سَوْطٍ، يُرِيدُونَ أَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ لَا أَنَّهُ فَعَلَ بِنَفْسِهِ. [١٣٠]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute