قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَحْمَةُ اللهِ عليه: قَدْ يَتَوَهَّمُ بَعْضُ الْمُسْتَمِعِينَ لِهَذِهِ الأَخْبَارِ مِمَّنْ لَمْ يَطْلُبِ الْعِلْمَ مِنْ مَظَانِّهِ، وَلَا دَارَ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى أَطْرَافِهِ، أَنْ بَيْنَهَا تَضَادًّا أَوْ تَهَاتُرًا، لأَنَّ فِي خَبَرِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيه وسَلم. وَفِي خَبَرِ إِيَاسِ بْنِ خَلِيفَةَ، أَنَّهُ أَمَرَ عَمَّارًا أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيه وسَلم، وَفِي خَبَرِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ أَمَرَ الْمِقْدَادَ أَنْ يَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم. وَلَيْسَ بَيْنَهَا تَهَاتُرٌ، لأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَمَرَ عَمَّارًا أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيه وسَلم، فَسَأَلَهُ، ثُمَّ أَمَرَ الْمِقْدَادَ أَنْ يَسْأَلَهُ، فَسَأَلَهُ، ثُمَّ سَأَلَ بِنَفْسِهِ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم.
وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْتُ أَنْ مَتْنَ كُلِّ خَبَرٍ يُخَالِفُ مَتْنَ الْخَبَرِ الآخَرِ، لأَنَّ فِي خَبَرِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيه وسَلم، فَقَالَ: "إِذَا رَأَيْتَ الْمَاءَ فَاغْسِلْ ذكرك وتوضأ وإذا رأيت المني فَاغْتَسِلْ". وَفِي خَبَرِ إِيَاسِ بْنِ خَلِيفَةَ: أَنَّهُ أَمَرَ عَمَّارًا أَنْ يَسْأَلَ رسول الله صَلى الله عَلَيه وسَلم، فَقَالَ: "يَغْسِلُ مَذَاكِيرَهُ وَيَتَوَضَّأُ"، لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْمَنِيِّ الَّذِي فِي خَبَرِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَخَبَرُ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ سُؤَالٌ مُسْتَأْنَفٌ، يتبين أَنَّهُ لَيْسَ بِالسُّؤَالَيْنِ الأَوَّلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا لأَنَّ فِي خَبَرِ الْمِقْدَادِ: "أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم عَنِ الرَّجُلِ إِذَا دَنَا مِنْ أَهْلِهِ فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَذْيُ مَاذَا عَلَيْهِ؟ فَإِنَّ عِنْدِي ابْنَتَهُ". فَذَلِكَ مَا وَصَفْنَا، عَلَى أَنَّ هَذِهِ أَسْئِلَةٌ مُتَبَايِنَةٌ، فِي مَوَاضِعَ مُخْتَلِفَةٍ، لِعِلَلٍ مَوْجُودَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهَا تَضَادُّ أَوْ تَهَاتُرٌ. [١١٠٦]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute