قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: هَذَانِ خَبَرَانِ قَدْ عَوَّلَ أَئِمَّتُنَا رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ وَرِضْوَانُهُ عَلَى الْكَلَامِ فِيهِمَا عَلَى النَّفْيِ وَالإِثْبَاتِ، وَزَعَمُوا أَنَّ بِلَالاً أَثْبَتَ صَلَاةَ الْمُصْطَفَى صَلى الله عَلَيه وسَلم فِي الْكَعْبَةِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ يَنْفِيهَا، وَالْحُكْمُ الْمُثْبَتُ لِلشَّيْءِ أَبَدًا، لَا لِمَنْ يَنْفِيهِ، وَهَذَا شَيْءٌ يَلْزَمُنَا فِي قِصَّةِ أُحُدٍ فِي نَفْيِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الصَّلَاةَ عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ، وَغَسْلَهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ.
وَالأَشْبَهُ عِنْدِي فِي الْفَصْلِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ بِأَنْ يُجْعَلَا فِي فِعْلَيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ، فَيُقَالُ: إِنَّ الْمُصْطَفَى صَلى الله عَلَيه وسَلم لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَصَلَّى فِيهَا عَلَى مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ بِلَالٍ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْفَتْحِ، كَذَلِكَ قَالَهُ حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَيُجْعَلَ نَفْيُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَلَاةَ الْمُصْطَفَى صَلى الله عَلَيه وسَلم فِي الْكَعْبَةِ فِي حَجَّتِهِ الَّتِي حَجَّ فِيهَا، حَتَّى يَكُونَ فِعْلَانِ فِي حَالَتَيْنِ مُتَبَايِنَتَيْنِ، لأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ نَفَى الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ عَنِ الْمُصْطَفَى صَلى الله عَلَيه وسَلم، وَزَعَمَ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، وَأَخْبَرَ أَبُو الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيه وسَلم صَلَّى فِي الْبَيْتِ، وَزَعَمَ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَإِذَا حُمِلَ الْخَبَرَانِ عَلَى مَا وَصَفْنَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْمُتَبَايِنَيْنِ بَطَلَ التَّضَادُّ بَيْنَهُمَا، وَصَحَّ اسْتِعْمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. [٣٢٠٨]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute