قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: هَذَا الْخَبَرُ قَدْ يُوهِمُ مَنْ لَمْ يُمْعِنِ النَّظَرَ فِي مُتُونِ الأَخْبَارِ، وَلَا يَفْقَهُ فِي صَحِيحِ الآثَارِ، أَنَّ الْقُنُوتَ فِي الصَّلَوَاتِ مَنْسُوخٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لأَنَّ خَبَرَ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، أَنَّ الْمُصْطَفَى صَلى الله عَلَيه وسَلم، كَانَ يَلْعَنُ فُلَانًا وَفُلَانًا، فَأَنْزَلَ اللهُ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ}، فِيهِ الْبَيَانُ الْوَاضِحُ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللهُ لِلسَّدَادِ، وَهَدَاهُ لِسُلُوكِ الصَّوَابِ، أَنَّ اللَّعْنَ عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ فِي الصَّلَاةِ غَيْرُ مَنْسُوخٍ، وَلَا الدُّعَاءَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا قَوْلُهُ صَلى الله عَلَيه وسَلم فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ: "أَمَا تَرَاهُمْ وَقَدْ قَدِمُوا"، تُبَيِّنُ لَكَ هَذِهِ اللَّفْظَةُ أَنَّهُمْ لَوْلَا أَنَّهُمْ قَدِمُوا وَنَجَّاهُمُ اللهُ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ لأَثْبَتَ الْقُنُوتَ صَلى الله عَلَيه وسَلم وَدَاوَمَ عَلَيْهِ، عَلَى أَنَّ فِي قَوْلِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}، لَيْسَ فِيهِ الْبَيَانُ بِأَنَّ اللَّعْنَ عَلَى الْكُفَّارِ أَيْضًا مَنْسُوخٌ، وَإِنَّمَا هَذِهِ آيَةٌ فِيهَا الإِعْلَامُ بِأَنَّ الْقُنُوتَ عَلَى الْكُفَّارِ لَيْسَ مِمَّا يُغْنِيهِمْ عَمَّا قَضَى عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ، يُرِيدُ: بِالإِسْلَامِ يَتُوبُ عَلَيْهِمْ، أَوْ بِدَوَامِهِمْ عَلَى الشِّرْكِ يُعَذِّبُهُمْ، لَا أَنَّ الْقُنُوتَ مَنْسُوخٌ بِالآيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. [١٩٨٨]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute