فَأَمَّا خَبَرُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيه وسَلم خَرَجَ فَصَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ"، لَيْسَ يُضَادُّ خَبَرَ جَابِرٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، إِذِ الْمُصْطَفَى صَلى الله عَلَيه وسَلم خَرَجَ إِلَى أُحُدٍ، فَدَعَا لِشُهَدَاءِ أُحُدٍ، كَمَا كَانَ يَدْعُو لِلْمَوْتَى فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الدُّعَاءَ صَلَاةً، فَصَارَ خُرُوجُهُ صَلى الله عَلَيه وسَلم إِلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ، وَزِيَارَتُهُ إِيَّاهُمْ وَدُعَاؤُهُ لَهُمْ سُنَّةً لِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ أُمَّتِهِ أَنْ يَزُورُوا شُهَدَاءَ أُحُدٍ يَدْعُونَ لَهُمْ كَمَا يَدْعُونَ لِلْمَيِّتِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَفِي خَبَرِ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ: "ثُمَّ دَخَلَ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ جَلَّ وَعَلَا"، أَبْيَنُ الْبَيَانِ بِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ كَانَتْ دُعَاءً لَهُمْ، وَزِيَادَةً قَصَدَ بِهَا إِيَّاهُمْ لَمَّا قَرُبَ خُرُوجُهُ مِنَ الدُّنْيَا صَلى الله عَلَيه وسَلم. وَلَوْ كَانَتِ الصَّلَاةُ الَّتِي ذَكَرَهَا عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ كَالصَّلَاةِ عَلَى الْمَوْتَى سَوَاءً لَلَزِمَ مَنْ قَالَ بِهَذَا جَوَازُ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ وَلَوْ بَعْدَ سَبْعِ سِنِينَ، لأَنَّ أُحُدًا كَانَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَخُرُوجُهُ صَلى الله عَلَيه وسَلم حَيْثُ صَلَّى عَلَيْهِمْ قُرْبَ خُرُوجِهِ مِنَ الدُّنْيَا صَلى الله عَلَيه وسَلم بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ بِسَبْعِ سِنِينَ، فَلَمَّا وَافَقَنَا مَنِ احْتَجَّ بِهَذَا الْخَبَرِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْقُبُورِ غَيْرُ جَائِزَةٍ بَعْدَ سَبْعِ سِنِينَ، صَحَّ أَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ كَانَتْ دُعَاءً لَا الصَّلَاةَ عَلَى الْمَوْتَى سَوَاءً، ضِدَّ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ يَرْوُونَ مَا لَا يَعْقِلُونَ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِمَا لَا يَفْهَمُونَ، وَيَرْوُونَ الْمُتَضَادَّ مِنَ الأَخْبَارِ. [٣١٩٩]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute