قُلْتُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرْتُهُ، فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ، وَأَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ ضَرْعَهَا مِنَ الْغُبَارِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ، فَقَالَ هَكَذَا، وَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى، فَحَلَبَ لِي كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَقَدْ رَوَيْتُ مَعِي لِرَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم إِدَاوَةً عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ، فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم، فَوَافَقْتُهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَشَرِبَ، فَقُلْتُ: قَدْ آنَ الرَّحِيلُ يَا رَسُولَ اللهِ.
فَارْتَحَلْنَا وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَنَا، فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرُ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَقُلْتُ: هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: "لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا"، فَلَمَّا دَنَا مِنَّا، وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قِيدُ رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، قُلْتُ: هَذَا الطَّلَبُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ لَحِقَنَا، فَبَكَيْتُ، قَالَ: "مَا يُبْكِيكَ؟ " قُلْتُ: أَمَا وَاللهِ مَا عَلَى نَفْسِي أَبْكِي، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَيْكَ، فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم، فَقَالَ: "اللهُمَّ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ"، قَالَ: فَسَاخَتْ بِهِ فَرَسُهُ فِي الأَرْضِ إِلَى بَطْنِهَا، فَوَثَبَ عَنْهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا عَمَلُكَ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يُنْجِيَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute