للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كأن قلوب الطير عند مبيتها ... نوى القسب يلقى عند بعض المآدب

فقصر في العبارة، وأخذ بأحد المعنيين، لأنه شبه باليابس دون الرطب.

[٩٠٩ وقال عنترة _وهو أول من نطق بهذا المثل_[كامل] :]

شككت بالرمح الطويل ثيابه ... ليس الكريم على القنا بمحرم

فأخذه آخر وقصر، وإن كان محسناً فقال [وافر] :

وقالوا: ماجداً منكم قتلنا ... كذاك الرمح يكلف بالكريم

وقال حسان ووقع دون الأول، إلا أنه أتى بتلك العبارة فلم يفد أكثر من تكرارها:

وما السيد الجبار حين يريدنا ... بكيد على أرماحنا بمحرم

وقال امرؤ القيس [كامل] :

الله أنجح ما طلبت به ... والبر خير حقيبة الرجل

ويقول تعرفه الرجال ذوو النهى.

[٩١٠ وممن أخذ وأفسد أبو رمح الخزاعي بقوله [طويل] :]

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... ............. غير ياسر

وإنما أخذه من أبرع لفظ ومعنى للأعشى حيث يقول [طويل] : ٩١١- وممن أخذ فأفسد عبد الله بن العجاج التغلبي فإن طرفة قال:

فإن كنت مأكولاً فكن خير آكلي ... فبعض منايا القوم أشرف من بعض

فقال عبد القادر [طويل] :

فإن كنت مأكولاً فكن أنت آكلي ... وإن كنت مذبوحاً فكن أنت ذابحي

قاله، استدركه الله بغضب يلحقه بناره، فما أشد قحته، وأقبح ما عوضناه من ذلك المثل السائر المطبوع.

[٩١٢ وانظر إلى قول الحطيئة [طويل] :]

لعمري لنعم الحي من آل جعفر ... بحوران أمسى أعلقته الحبائل

فإن تحي لا أملك حياتي وإن تمت ... فما في حياة بعد موتك طائل

وما كان بيني لو لقيتك سالماً ... وبين الغنى إلا ليال قلائل

فحاول بعض المحدثين الفصحاء، تأول الثالث وتعاطي أخذه معناه، فأطال كل الإطالة، ثم لم يستطعه، ولم يدركه، ولم يزل يقتاده عنان التقصير عن مساواته، إلى أن ضمن أبياته، البيت بعينه، فيا سبحان الله ما شاد تفاوت ما بين القرائح، وأبعد ما بين الطلب والمطلوب -أخبرنا محمد بن يحيى قال أخبرنا عون بن محمد قال حدثنا حمدان بن زكرياء الباهلي قال حدثنا أبو دهمان الغلابي أنه قصد عاملاً بمصر زائراً فحين شارفها، لقيه على ميل منها منصرفاً معزولاً، فقال [طويل] :

ولما دنت مني المخائل للغني ... وكان كشيء قد حوته الأنامل

جرى قدر في صرفه بعد ما اعتلى ... وأعقبت الأعذار منه الطوائل

لئن فاتني حظ بما كنت أرتجي ... وأخلفني منه الذي كنت آمل

فما كل ما يخشى الفتى بمصيبه ... وما كل ما يرجو الفتى هو نائل

وقد قال في هذا الحطيئة قبلنا ... وصرفت الأمثال فيه الأوائل

"وما كان بيني لو لقيتك سالماً ... وبين الغنى ألا ليال قلائل"

[٩١٣ وقال ابن مقبل [بسيط] :]

إني أقيد بالمأثور راحلتي ... ولا أبالي، ولو كنا على سفر

وقال الخزيمي [كامل] :

أو ما رأيت مطيتي معقولة ... بالسيف والرقباء حولي قوم

وقد حكى أبو هفان في بعض ما حكي عنه أن، [أبا] يعقوب محسن في أخذه هذا المعنى، وفي قوله ذلك، دلالة على ضعف بصيرته بنقد الشعر، وقصور علمه عن تمييز الكلام وإذا كان ابن مقبل، قرب هذا المعنى، فقد أتى به مستوفياً استيفاء، قصر الخزيمي عن بلوغ غايته، كما وجب الحكم له بالإحسان، وذلك في بيت ابن مقبل زيادة، لا يجدها إلا من تقدمت له قدم في هذه الصناعة، ألا ترى إلى قوله "ولو كنا على سفر" لأن وصف الممدوح بعقر ناقته لأصحابه في حال السفر، أجمع لشمل الكرم منه، في غيره، وهذه الزيادة خصوصاً، والاستثناء بها، في بيت ابن مقبل، أشرف مما في هذا المدح وإذا كان ذلك لا يقع من فاعله في حال سفره، وحاجته إلى راحلته التي يقطع بها الشقة إلى غرضه، ويحمي بها حمي نفسه، إلا عن كرم لا يجاري سحابه، ومجد لا ترتقي هضابه.

٩١٤ أخبرنا عبيد الله بن أحمد النحوي عن محمد بن الحسن عن أبي حاتم قال: حدثني رجل من أصحاب المدائني قال: جاء رجل إلى العتابي، فقال له ما أردت بقولك [بسيط] :

في ناظري انقباض عن جفونهما ... وفي الجفون عن الآماق تقصير

فقال: "أمستعلم أنت، أم معيب؟ "فقال: "بل معيب" فقال: لا أدري؟ قال أفتقول ما لا تدري؟ وألح عليه في السؤال، فقال: أردت أن أحكي قول بشار [وافر] :

<<  <   >  >>