يا سعد غم الماء ورد يدهمه ... يوم يلاقى شاؤه ونعمه
واختلفت أمراسه وقيمه ... فهب لنا منك ملاء تعلمه
فإنما أنت أخ لا نعدمه ... مولد كان أبونا يكرمه
فقام وزام شديد محزمه ... لم يلق بؤساً لحمه ولا دمه
ولم تبت به حمى توصمه ... تدك مدماك الطوى قدمه
كأن سفود حديد معصمه
أراد ذراعه. وقيمه: جمع قامة، وهي البكرة. ووزام: له عضل. ومذماك: ساق. وتوصمه: تغيره.
[١٢٠٢وقال الآخر [رجز] :]
إن كنت جائي أخا تميم ... فجيء بعجلين ذوي وزيم
بديلمي وأخ للروم ... كلاهما كالجمل المخزوم
يخاطب ساقياً. والوزيم: اللحم. وأراد يا جائي، يا أخا تميم وقوله "بديلمي وأخ للروم" يقول: إذا اختلفت ألسنتهم ولغاتهم لم يتحدثوا. واشتغلوا بالسقي. وإذا كانوا من جنس واحد، فهم هذا، لغة هذا. واشتغلا بالحديث. فذهب السقي.
[أحسن ما ورد من أبيات المعاني في التعبير بأخذ الدية وترك طلب الثأر]
[١٢٠٣أنشدنا عبيد الله بن أحمد قال أنشدنا محمد بن الحسن عن الأشنانداني [الوافر] :]
إذا ورداؤه لهق حجير ... ورحت أجر ثوبي أرجوان
كلانا اختار، فانظر كيف تبقى ... أحاديث الرجال على الزمان
"حجير" اسم أخيه. عيره بتركه طلب الثأر بقتل أخيه. ولذلك قال "رداؤه لهق" أي أبيض. وقوله "رحت أجر ثوبي أرجوان" أي أخذت بثأري. والعرب تقول "دم فلان في ثوب فلان" إذا قتله. يقول: فحجير اختار أخذ الدية، واخترت الطلب بالثأر.
[١٢٠٤وزمثل هذا قول الأسعر الجعفي [كامل] :]
راحوا بصائرهم على أكتافهم ... وبصيرتي يعدو بها عتد وأى
يقول: تركوا الطلب من ورائهم، فكان ثقل الدماء على أكتافهم. والبصائر جمع بصيرة، وهي النظر بمثله من الدم. وطلبت ثأري على عتد-وهو الفرس القوي-والوأى مثله.
[١٢٠٥ومثل هذا قول الآخر [طويل] :]
إذا صب ما في الوطب فاعلم بأنه ... دم الشيخ فاحلب من دم الشيخ اودع
يعيره بأخذ الدية. فيقول إن الذي تشربه من البان الابل التي أخذتها في الدية، إنما هو دم أبيك.
[١٢٠٦ ومثل هذا قول الآخر [بسيط] :]
عفوا بسهم فلم يشعر به أحد ... ثم استفاؤا وقالوا حبذا الوضح
الوضح: اللبن. عفوا: يعني رموا بسهم يقال له العفيفة. وكانوا إذا أرادوا أن لا يطلبوا بثأر المقتول، وأن يقبلوا الدية قالوا: بيننا وبينكم إلا هنا علامة. وهي رمي هذا السهم، فإن عاد مضرجاً بالدم، فقد أمرنا بأخذ الثأر. وإن عاد نقياً فقد أمرنا بأخذ الدية. قال: ثم يرمون به نحو السماء، فلم يعد ذلك السهم قط إلا نقياً.
[١٢٠٧وقول الآخر [كامل] :]
مسحوا لحاهم ثم قالوا سالموا ... يا ليتني في القوم إذ مسحوا اللحى
يقول: طلبوا الصلح. واستوطأوا الدعة. فمسحوا لحاهم بأيديهم، وقالوا: الصلح خير. ومثل هذا يفعله الناس كثيراً. قال أبو عمر محمد بن عبد الواحد: سألت أبا العباس أحمد بن يحيى عن قوله "يا ليتني في القوم إذ مسحوا اللحى" ما كان يعمل لو كان فيهم. قال: يحلق لحاهم مجازاة على جنوحهم إلى الموادعة.
[١٢٠٨ومن أبيات المعاني المستحسنة في هذا المعنى ما أنشده الأشنانداني [طويل] :]
أديسم إني لا إخالك مروياً ... صداي إذا مابت والبرك حفل
ولا هاجعاً إلا على ظهر تفنة ... يسائل عنك الأقربون وتسأل
يخاطب ابنه، وهو ديسم، والديسم في كلام العرب: الدب.
وقوله: صداي: كانوا يزعمون أنهم إذا لم يأخذوا بثأر الميت خرجت من قبره هامة من عند رأسه. فلا تزال تقول: اسقوني، اسقوني، حتى يأخذوا بثأره.
[١٢٠٩ومثل هذا قول الآخر [بسيط] :]
أصداء زهرة كوم، لا تحارد إن ... جاؤا عشاء بأمطار وصراد
يا من رأى هامة تزقو على جدث ... تجيبها خلفات ذات أطواد
يقول: هذه الأصداء التي تزقو طلباً لأخذ الثأر، قد صارت إبلاً كوماً، أي عظام الخطى. والأطواد شبه أسنمتها. والصراد: البرد. والخلفات: الابل الحوامل. واحدها خلفة.
[١٢١٠ومثله [بسيط] :]
يا عمرو إلا تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حيث تقول الهامة اسقوني
أي من رأسك.
١٢١١وأنشدنا محمد بن عبد الواحد عن أحمد بن يحيى [وافر] :