للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مثل الفراقتي إذا ما طما ... يقذف بالبوص والماهر

حكمتموني فقضى بينكم ... أبلج مثل القمر الزاهر

لا يأخذ الرشوة في حكمه ... ولا يبالي غبن الخاسر

ولم يزد عمرو على هذه الأبيات، وشد أصحاب عامر على الإبل فعقروها، ونادوا "انفر عامر" ثم تفرقوا، وكان في سرعان عامر فتى قدم قبل القوم، فأورد فرسه، وهو رافع عقيرته يقول: "علقم لا لست إلى عامر" الأبيات، فسمعته مليكة بنت الحطيئة، فوضعت البوغاء على رأسها وهتفت وأحربها، هذا والله شعر أبي بصير، فلما تتوعد علقمة الأعشى زاد فيها:

شاقك من قتلة أطلالها ... بالشط فالسبخ إلى حاجر

وقال كلمته التي يقول فيها طويل:

ما ذنبنا إن جاش بحر ابن عمكم ... وبحرك ساج ما يواري الدعامصا

كلا أبويكم كان فرعاً دعامة ... ولكنهم زادوا وأصبحت ناقصا

تبينتون في المشتى ملاء بطونكم ... وجارتكم غرثى يبتن خمائصا

فلما سمع علقمة هذا لبيت رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم العنه إن كان كاذباً، أبحق نفعل هذا بجيراننا؟ وما هجاني بشيء هو أشد علي من علي من هذا! قال: وسأل عمر بن الخطاب في ولايته هرم بن براقة: أي الرجال عندك أشرف؟ قال: يا أمير المؤمنين لو قلتها اليوم لمضت بعدك وبعدي مثلاً يستجمع للرجال أحلامها.

[أحسن ما قيل في الانسياق على سير الإبل]

[٥٦٤ قال أبو علي: أول من نطق بهذا المعنى عمرو بن شأس الأسدي فقال:]

إذا نحن أدلجنا وأنت أمامنا ... كفى لمطايانا بضوئك حادياً

أليس يزيد العيس خفة أذرع ... وإن كن حسى إن تكون أمامياً

فتناهبه الناس من بعد، فأكثروا فيه، وتصرفوا على الإحسان فيما أوردوا منه، فمن أحسنه ما أنشدناه محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى عن أبي يحيى نصر عن الأصمعي لأعرابي طويل:

إذا تركت حنت وأن هي خليت ... لترتع، لم ترتع بأدنى المراتع

كأن عليها راكباً يستحثها ... كفى سائقاً بالشوق بين الأضالع

[٥٦٥ وأخذته أعرابية فقال خفيف:]

قل لحادي المطي رفقاً قليلاً ... يجعل العير سيرهن ذميلاً

لا تسقها على السبيل ودعها ... يهدها شوق من عليها السبيلا

[٥٦ وأخذه بعض الرجاز فقال:]

إن لها لسائقاً خدلجاً ... لم يدلج الليل فيمن أدلجا

-يعني امرأة، فساقه هواه إليها فناب عن سائق الإبل التي امتطاها.

[٥٦٧ فأخذه الآخر فقال بسيط:]

صب يحث مطاياه تذكركم ... وليس ينساكم إن حل أو سارا

لو يستطيع طوى الأيام دونكم ... حتى يبيع بقرب العمر أعمارا

يرجو النجاة من البلوى بقربكم ... والقرب يقدح في أحشائه ناراً

٥٦٨ فأما قول عمرو بن شأس "كفى المطايا ضوء وجهك حاديا" فقد أحسن فيه، وأحسن من بعده جماعة اعتوروا هذا المعنى، فمنهم إدريس ابن أبي حفصة في قوله بسي:

لما ائتك وقد كلت منازعة ... دنا الرضى بين أيديهما بآقياد

لها أمامك نور تستضيء به ... ومن رجائك في أعناقها حاد

لنا أحاديث من ذكراك تشغلها ... عن الرتوع وتلهينا عن الزاد

[٥٦٩ وقد تقدمه مروان الأكبر فقال للمهدي طويل:]

إلى المصطفى المهدي خاضت ركابنا ... دجى الليل يخبطن السريح المخدما

يكون لها نور الأمام محمد ... دليلاً به تسرى إذا الليل أظلما

[٥٧٠ وقال آخر وأحسن طويل]

ولو أن ركباً يمموك لقادهم ... نسيمك حتى يستدل بك الركب

[٥٧٢ ومن المحسنين في هذا المعنى خارجة بن فليح الملي بقوله طويل:]

لقد ظعنت في ربرب شابه الدما ... وكان الغواني واضحات المحاجر

وسفرن للساري إذا جن ليله ... سبيل المطايا بالوجوه السوافر

[٥٧٢ وقال أشجع السلمي طويل:]

إذا غاب عنا الفجر خضنا بوجهه ... دجى الليل حتى يستبين لنا الفجر

[٥٧٣ فنقل المعنى العباس بن الأحنف فقال وأحسن كامل:]

لو لم يكن قمر إذا مازرتكم ... يهدي إلى سنن الطريق الواضح

لتوقد الشوق المنير بذكركم ... حتى تضيء الأرض بين جوانحي

<<  <   >  >>