٥- قال أبو عمرو: والقافية الخامسة: قول ذي الرمة وافر:
أراح فريق جيرتك الجمالا ... كأنهم يريدون احتمالا
فكدت أموت من جزع عليهم ... ولم أر ثوي الأظعان بالا
قال: فلقوله "بالا" موقع حسن لا يستطيع أحد مماثلته".
١٩٨ قال أبو علي: أحسن القوافي عندي تمكناً وألطفها موقعاً قول امرئ القيس طويل:
بعثنا ربيئاً قبل ذلك مخملاً ... كئب الغضا يمشي الضراء ويتقي
فقوله "يتقي" مستقرة في أحسن مستقر.
[١٩٩ وقول الحطيئة بسيط:]
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
فقوله "الكاسي" واقعة موقعاً عجيباً.
[٢٠٠ قال أبو علي: وقد اتبع هذا البيت الأعشى فقال طويل:]
أبا ثابت لا تعلقنك رماحنا ... أبا ثابت واقعد فإنك طاعم
[٢٠١ وقول النابغة كامل:]
كالأقحوان غداة غب سمائة ... جفت أعاليه وأسفله ندى
زعم الهمام ولم أذقه بأنه ... يشفي برياريقه العطش الصدى
ويروى "بطيب لثاتها". فقوله "ندى" و"العطش الصدى" واقعتان أحسن المواقع وأعجبه.
[أحكم بيت]
اشتمل على ثلاثة أمثال سائرة
٢٠٢ قال أبو علي: أكثر ما يتفق مثل في شعر مطبوع، أو لفظ مصنوع، لبعد مرامه، وفوت مطلبه.
وقد قال زهير فأحسن طويل:
وفي الحلم إذهان وفي العفو دربة ... وفي الصدق منجاة من الشر فأصدق
فهذه، ثلاثة أمثال بارعة، كل مثل منها سائر، "قائم بنفسه، ولم يتكامل البيت، ثم كمله فقال":"من الشر فأصدق". فزاد المعنى تماماً؟
[٢٠٣ ومثل ذلك قول النابغة كامل:]
الرفق يمن والأناة سعادة ... فتأن في رفق تلاق نجاحاً
فهذه ثلاثة أمثال، كل منها مكتف بنفسه، وغير مفتقر إلى صاحبه، فلم يتكامل نظم البيت ثم تممه، فزاد فيه زيادة أحسن فيها كل الإحسان بقوله "تلاق نجاحاً".
[٢٠٤ وقول صالح بن عبد القدوس خفيف:]
كل آت لا بد آت وذو الجهل ... معنى، والغم والهم فضل
ففي هذا البيت ثلاثة أمثال.
[٢٠٥ وقال عامر بن صعصعة الفقسعي بسيط:]
"العلم يجلو العمى" -فهذا مثل- "والجهل مهلكة" -فهذا مثل، ثم قال: "واللاعب الرفل الأذيال مكذوب".
[٢٠٦ وتلا ذلك، بيت يشتمل على مثلين، فأوردته في هذا الباب لأني لم أحب إفراده عنه.]
ولن يفوتك حظ أنت نائله ... يهدي وما حم أن يلقاك مجلوب
وفي هذا البيت مثلان، وفي الذي تقدمه، ثلاثة أمثال بارعة، بعيدة
[٢٠٧ ويتلوه قوله:]
وكل ذي غاية يجري إلى أجل ... والخير والشر في الألواح مكتوب
فسبيل هذا، في الاشتمال على مثلين، سبيل ما تقدمه.
[أحكم بيت اشتمل على مثلين]
٢٠٨ أخبركم أبو علي قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال، أخبرنا أحمد بن يحيى عن عمر بن شيبة قال: "قيل للفزدق: (أي بيت قالته العرب أحكم؟) قال: (ما اشتمل على مثلين، يستغنى في التمثيل بكل واحد منهما، على حدته عن صاحبه) قال: ثم أنشد قول امرئ القيس كامل:
الله أنجح ما طلبت به ... والبر خير حقيبة الرجل
٢٠٩ أخبركم أبو علي قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد عن أحمد ابن يحيى قال: "قيل لحماد الرواية: (بأي شيء فضل النابغة؟) فقال: (إن النابغة إن تمثلت ببيت من شعره، اكتفيت به، مثل قوله طويل:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مذهب
وإن تمثلت بنصف بيت من شعره، اكتفيت به، وهو "ليس وراء الله للمرء مذهب" بل وإن تمثلت بربع بيت من شعره، اكتفيت، وهو قوله "أي الرجال المهذب") .
٢١٠ أخبركم أبو علي قال: أخبرنا أو الحسن بن أبي غشان البصري عن الفضل بن الحباب عن محمد بن سلام عن شبيب بن شبة قال: سمعت مسلم بن قتيبة يقول: "من الشعر أبيات، يستغنى في المثل بأعجازها عن صدورها، وبصدورها عن أعجازها، مثل قول النابغة طويل:
ولست بمستبق أخا لا تمله ... على شعث أي الرجال المهذب؟
فهذا مثل سائر، فلك أن تقول: "ولست بمستبق أخاً لا تلمه" فيكون مثلاً سائراً".
١- "وقول الحطيئة بسيط:
من يفعل الخبر لا يعدم جوازيه ... فيه مثل سائر،
ثم قال: لا يذهب العرف بين الله والناس".
٢١١ قال أو علي: مثل قول النابغة، قول الآخر كامل: