للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال [أبو نواس] : وكان قول الشماخ عندي عيباً حتى سمعت قول الفرزدق فقلت "إذا المطي" وذكر البيتين، وقلت أيضاً [وافر] :

أقول لناقتي إذ بلغتني ... لقد أصبحت مني باليمين

فلم أجعلك للغربان نحلاً ... ولا قلت أشرقي بدم الوتين

٩٣١ قال أبو علي: وما يستحسن من وصف مجازاة الرواحل عند حط رحالهن في معاني الممدوح، قول داود بن أسلم في قثم بن العباس [السريع] :

نجوت من حل ومن رحلة] ... يا ناق إن قربتني من قثم

إنك إن بلغتنيه غداً ... عاش لنا اليسر ومات العدم

في باعه طول وفي وجهه ... نور، وفي القرنين منه شمم

لم يدر ما "لا" وبلى قد درى ... فعافها، واعتاض منها نعم

[هذا باب]

[من [النظر] والملاحظة]

٩٣٢ قال أبو علي: وهذه، ضروب [دقيقة قلما ترد المدارك] ، من الإشارة إلى المعنى، وإخفاء السر.

[٩٣٣ فمن لطيف النظر [والملاحظة قول] أوس بن حجر [طويل] :]

سأجزيك أو يجزيك عني مثوب ... وحسبك أن يثني عليك وتحمدي

[ينظر إليه قول الحطيئة نظراً خفياً] حتى يكشف قناعه [بسيط] :

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس

فقوله "لا يذهب العرف بين الله والناس" هو قول أوس بن حجر: "سأجزيك أو يجيك عني مثوب" لأن المثوب هو الله عز وجل، وفي بيت الحطيئة زيادة بذكر الناس.

[٩٣٤ ومن خفي النظر ولطيفة قول السموأل [طويل] :]

تسيل على حد السيوف نفوسنا ... وليست على غير السيوف تسيل

وينظر إليه قول زهير [طويل] :

فإن يقتلوا فيشتفي بدمائهم ... وكانوا قبيلاً من مناياهم القتل

[٩٣٥ ومن خفي النظر قول مهلهل [خفيف] :]

أنبضوا معجس القسي وأبرق ... نا كما ترعد الفحول الفحولا

فنظر إلى هذا أبو ذؤيب فقال وأخفاه [طويل] :

ضروب لهامات الرجال بسيفه ... إذا جن نبع بينهم وشريج

[٩٣٦ وقال امرؤ القيس -وهو أول من نطق به-[طويل] :]

سموت إليها بعدما نام أهلها ... سمو حباب الماء حالاً على حال

فنظر عمر بن أبي ربيعة إلى هذا نظراً خفياً فقال [سريع] :

فأسقط عليها كسقوط الندى ... ليلة لاناةٍ، ولا زاجر

[٩٣٧ ومن لطيف النظر البعيد قول أوس [متقارب] :]

ألم تكسف الشمس والبدر وال ... كواكب للقمر الواجب

فنظر إلى هذا المعنى وأخفاه كل إخفاء، النابغة الذبياني [طويل] :

يقولون حضن ثم تأبى نفوسهم ... وكيف يحضن والجبال جنوح

وإنما نظر هذا البيت إلى البيت الذي قبله، لأن أوساً تعجب من ثبات الشمس والقمر، والكواكب، وأنها لم [تكسف] ولم تسقط لفقد "فضالة"، هذا الرجل الذي رثاه، والنابغة إلى هذا المعنى ذهب يقول: نعي "حضن" ثم أبوا نعيه، إعظاماً له ثم استرجع فقال: كيف يكون مات، والجبال ما [تموت، ولم] تزل عن مكانها، كأنه استعظم موته.

[٩٣٨ ومن لطيف النظر والملاحظة قول الآخر [طويل] :]

إذا بل من داء به ظن أنه ... نجا، وبه الداء الذي هو قاتله

نظر إلى هذا المعنى ابن الرومي نظراً خفياً فقال [كامل] :

نظرت فأقصدت الفؤاد بسهمها ... ثم انثنت عنه فكاد يهيم

ويلاه؟ إن نظرت، وإن هي أعرضت ... وقع السهام ونزعهن أليم

[باب]

[كشف المعنى وإبرازه بزيادة منه تزيده نصاعة وبراعة]

[٩٣٩ قال امرؤ القيس [طويل] :]

كبكر المقاناة البياض بصفرة ... غذاها نمير الماء غير المحلل

فأخذ هذا المعنى ذو الرمة فكشفه، وأبرزه، وزاد فيه زيادة لطيفة فقال [بسيط] :

كحلاء في برج صفراء في نعج ... كأنها فضة قد مسها ذهب

[٩٤٠ وقال امرؤ القيس [طويل] :]

نمش بأعراف الجياد أكفنا ... إذا نحن قمنا عن شواء مهضب

فقوله "نمشي" أي نمسح، والمشوش: المنديل، فذكر أن مناديلهم أعراف الخيل، فكشف هذا المعنى عبدة بن الطبيب فقال [بسيط] :

تمت قمنا إلى جرد مسومة ... أعرافهن لأيدينا مناديل

[٩٤١ وقال أبو دؤاد [رمل] :]

إنها حرب عوان لقحت ... عن حيال فهي تقتات الإبل

فجعلها تقتات الإبل، لأنها تؤدي في الديات عن القتلى، في تلك الحال، فأخذ هذه الاستعارة بعض المتقدمين فقال وأحسن [كامل] :

<<  <   >  >>