فقال الفرزدق له: لتتدعن هذا البيت، أو أو لتدعن عرضك.
فتركه جميل له، فانتحله الفرزدق وأدخله في قصيدته التي أولها طويل:
عزفت بأعشاش، وما كدت تعزف ... وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف
٤٤٥ أخبرني عيسى بن عبد العزيز قال، أخبرني عبد الله بن المعتز قال حدثني العنبري قال حدثني عبد الله بن يحيى قال حدثني الزبير قال حدثني أبو مسلمة، موهوب بن رشيد قال: "مر الفرزدق بالمدينة بجميل -والناس مجتمعون عليه- وهو ينشد قصيدته التي يقول فيها طويل:
ونحن منعنا يوم أول نساءنا ... ويوم أفي والأسنة ترعف
(ثم مر فيها حتى انتهى إلى قوله "ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا" وذكر البيت "فقال الفرزدق: "ومن أحق بهذا منكم! " فقال جميل "أنشدك الله يا أبا فراس! " فقال الفرزدق "أنا أولى به منك! ") .
٤٤٦ أخبرني علي بن الهيثم القرشي قال أخبرني الحرمي أبي العلاء فقال حدثني الزبير عن محمد بن إسماعيل عن عبد العزيز بن عمران عن محمد بن عبد العزيز عن أبي شهاب عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال: لقي الفرزدق كثيراً يقارعة البلاط -وهو يمسي يريد المسجد- فقال له الفرزدق: "يا أبا صخر! أنت أنسب العرب حين تقول طويل:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثل لي ليلى بكل سبيل"
فقال له كثير: "وأنت يا أبا فراس أفخر الناس حين تقول: "ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا"وذكر البيت" قال عبد العزيز: "هذان البيتان لجميل سرق الفرزدق واحداً، وسرق كثير آخر" فقال له الفرزدق: "هل كانت أمك ترد البصرى؟! " قال: "لا ولكن أبي كثيراً ما كان يجدها! " قال طلحة بن عبد الله: "فوالذي نفسي بيده لعجبت من كثير جوابه، وما رأيت أحمق منه".
[أمدح بيت قالته العرب]
٤٤٧ أخبرنا أبو أحمد عيسى بن عبد العزيز الطاهري قال أخبرنا الدمشقي قال أبخرنا الزبير عن عمه قال: (قال عبد الملك بن مروان يوماً لأولاده -الوليد، سلميان، مسلمة-: "ما أمدح بيت قالته العرب؟ "
قال: قال الوليد "قول الأخطل بسيط:
صم عن الجهل عن قول الخنا ... خرس وإن ألمت بهم مكروهة صبروا
شمس العداوة، حتى يستقادلهم ... وأعظم الناس أحلاماً إذا قدروا
قال: وقال سلميان "بل قول عبد الله بن قيس الرقيات منسرح:
٢ ... ما نقموا من بني أمية إلا
أنهم يحلمون إن غضبوا
وأنهم عدن الملوك فما ... تصلح إلا عليهم العرب
وقال مسلمة: "بل قول جرير وافر:
٣ ... ألستم خير من ركب المطايا
وأندى العالمين بطون راح
فقال عبد الملك: "بل قول حسان بن ثابت كامل:
٤ ... بييض الوجوه كريمة أحسابهم
شم الأنوف من الطراز الأول
يخشون حتى ما تهر كلابهم=لا يسألون عن السواد المقبل")
٤٤٨ أخبرنا محمد بن عبد الواحد أحمد بن يحيى عن عمر بن شبة قال: (لما حضرت الحطيئة الوفاة قال: أبلغوا الأنصار أن أخاهم أمدح الناس حيث يقول: "يخشون حتى ما تهر كلابهم" وذكر البيت) .
[٤٤٩ (وقال أبو العباس: "بل أمدح بيت قالته العرب قول الأعشى طويل:]
فتى لو ينادي الشمس ألقت قناعها ... أو القمر الساري لألقى المقالد
قال أبو علي: قوله: "ينادي الشمس" أي يجلس معها في ناد.
[٤٥٠ "وقال غير أبي العباس ثعلب: "بل قول أبي الطمحان القيني طويل:]
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجا الليل حتى نظم الجزع ساقبة"
٤٥١ قال أبو علي "وقد تنازع في تقديم هذا بيت قوم، فقال بعضهم: "بيت حسان بن ثابت في آل جفنة: "يخشون حتى ماتهر كلابهم" وذكر البيت. وبيت النابغة "بأنك شمس والملوك كواكب" وذكر البيت. وبيت القين أشعرهما.
[٤٥٢ وقالوا بل بيت زهير أشعر، وأمدح طويل:]
نراه إذا ما جئته متهللا ... كأنك معطيه الذي أنت سائله"
٤٥٣ قال أبو علي: وكان الأعشى إذا مدح رفع، وإذا هجا وضع، وهذا نهاية الوصف في المدح.