للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن أدل الدليل على أنه لم يعتمد سرقاً ولم ير ذلك معاباً قول عمارة بن الوليد المخزومي:

خلق البيض الحسان لنا ... وجياد الريط والأزر

كابرا كنا أحق به ... حين صيغ الشمس والقمر

فقال مسافر بن أبي عمرو يرد عليه [رمل] :

خلق البيض الحسان لنا ... وجياد الريط والحبرة

كابراً كنا أحق به ... كل حي تابع كبره

[باب]

[الاصطراف]

٨٦٦ وهو صرف الشاعر إلى أبياته، وقصيدته بيتاً، أو بيتين، أو ثلاثة لغيره، فيضيفها إلى نفسه، ويصرفها عن قائلها، وكان كثير كثيراً ما يصطرف شعر جميل إلى نفسه ويهتدمه، وسيرد الاهتدام مفرداً في بابه.

وأذكر هنا قدراً من اصطرافه واصطرف غيره، يستدل به على معنى الاصطراف.

٨٦٧ أخبرنا أبو أحمد عيسى بن عبد العزيز الطاهري عن الدمشقي، قال: أخبرنا الزبير بن بكار قال أخبرنا عمر بن أبي بكر الموصلي عن عبد الله بن أبي عبيدة أن كثيراً أنشده قصيدته التي يقول فيها [طويل] :

إذا الغر من نوء الثريا تجاوبت ... حمينا بأجواز الفلاة قطارها

[فمر] في هذه القصيدة على أبي ذؤيب الهذلي في قصيدته التي أولها:

ما الدهر إلا ليلة ونهارها ... وإلا طلوع الشمس ثم غيارها

فأخذ منها بيتين وهما:

وعيرها الواشون أني أحبها ... وتلك وشاة طائر عنك عارها

وإن أعتذر منها فإني مكذب ... وإن تعتذر يردد عليك اعتذارها

فاستضافهما جميعاً، واصطرفهما.

٨٦٨ وعن عبد الله بن أبي عبيدة، أن كثيراً أنشده [قصيدته] التي يقول فيها [كامل] :

نظرت وأعلام الشربة دوننا ... فرق المروري الدانيات وسودها

فاصطرف فيها بيت جميل:

ولا يلبث الواشون أن يصدعوا العصا ... إذا هي لم يصلب على الري عودها

قال: وهذا البيت بأسره [لحميل ثم قال] إن كثيراً، أنشده قصيدته التي أولها:

ألا...... ... تودع على شمط النوى إذا تودع

[و] قال [كثير مصطرفاً من] جميل [طويل] :

وفيهن مهضوم حشاها نفية ... من السوء تحميها الجدود بمقرع

قال وهذا البيت بأسره لجميل.

٨٦٩ ومن الاصطراف ما أخبرنا به أبو محمد عبد الله بن جعفر قال أخبرنا المبرد عن المازي قال: قال جرير [كامل] :

لو شئت قد نقع الفؤاد بمشرب ... يدع الحوائم لا يجدن غليلاً

من ماء ذي وصف القلاة ممنع ... قطن الأباطح ما يزال ظليلاً

فقال المهرول العامري -واصطرف الأول، واهتدم الثاني [كامل] :

لو شئت قد الفؤاد نقع بمشرب ... يدع الحوائم لا يجدن غليلاً

من ماء ذي رصف الفلاة ممنع ... يعلو أشم الجبال طويلا

[الاهتدام]

٨٧٠ وهو افتعال من الهدم، فكأنه هدم البيت من الشعر، تشبيهاً بهدم البيت من البناء، لأن البيت من الشعر يسمى بيتاً لأنه يشتمل على الحروف كما يشتمل البيت على ما فيه.

٨٧١ وأخبرنا النوفلي قال أخبرنا أحمد بن أبي طاهر قال حدثني أحمد بن حميد الجمحي العدوي قال: كان ابن هرمة يهتدم كثيراً من شعر كثير عزة، ويتبع آثاره في المديح والنسيب.

٨٧٢ أخبرنا الحكيمي قال أخبرنا ثعلب عن الزبير بن بكار قال أخبرنا أبي جدي أن الفرزدق لقي كثيراً فقال: "ما أشعرك يا كثير في قولك [طويل] :

أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثل لي ليلى بكل سبيل

يعرض بأنه اهتدمه من قول جميل [طويل] :

أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثل لي ليلى على كل مرقب

فقال له كثير: "أنت أشعر الناس يا فرزدق في قولك [طويل] :

ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا

قال: وقال لي: "هذا البيت لجميل وسرقه الفرزدق" -فقال الفرزدق "هل كانت أمك مرت بالبصرة؟ " فقال كثير: "لا؟ ولكن أبي كان نزيلاً لأمك بها".

٨٧٣ أخبرنا أبو العباس أحمد بن هرون النحوي قال أخبرنا أحمد بن يحيى عن الزبير بن بكار قال: أخبرني عمر بن أبي بكر المولى عن عبد الله بن أبي عبيدة أن كثيراً أنشده قصيدته التي يقول فيها [بسيط] :

ألمم بعزة إن الركب منطلق ... [وإن نأتك ولم يلمم بها خرق

فقال فيها:

قامت تودعنا والعين ساجية ... كأن إنسانها في لجة غرق

<<  <   >  >>