للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يالأيام مضين مع الصبا ... وأين لنا بالأبرقين قصير

و ... ... وحلينا شبا ... ب يوتي المكروه كل غيور

فلما علا شيبي شبابي بشرت ... تراقب عيني لمتى بقتير

وقال الصبا دعني لغيرك صاحباً ... عذير الصبا من صاحب وعذير

[٦١٥ ومما يتصل بهذا ذم الشباب، ولم يقل فيه أحسن من قول أبي ربعي منسرح:]

من كان يبكي الشباب من أسف ... فلست أبكي عليه من أسف

كيف وشرخ الشباب أوقفني ... يوم حسابي مواقف التلف

لا صحبت شرة الشباب ولا ... عدمت هذا المشيب من خلف

[أحسن ما قيل في مدح الشيب]

٦١٦ قال أبو علي: وقد أكثر الناس في هذا، فأحسن ما قيل فيه قول امرئ القيس وهو أول من نطق بهذا المعنى طويل:

ألا أن بعد العدم للمرء قنوة ... وبعد المشيب طول عمر وملبساً

[٦١٧ فقال نصر بن حبناء التميمي طويل:]

فإن أك بدلت البياض وأنكرت ... معالمه منى العيون اللوامح

فقد يستجد المرء حالاً بحالة ... وقد يستمر النصل والنصل جارح

ومارد زعمي كالذي قد هويته ... ولا أثرت في الخطوب الفوادح

وهذا من الكلام البديع، واللفظ الرفيع، والذي تعجز الخواطر عن مباراته وتقصر الأفهام عن إدراكه، إلا بعد مراعاة سره، واستشفاء ورده.

٦١٨ أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال أخبرني أحمد بن يحيى عن أبي نصر عن الأصمعي قال دخلت على الرشيد، وفي يده مرآة يتأمل فيها شيبه، فأنشدته كامل:

الشيب إن يظهر فإن وراءه ... عمراً يكون خلاله متنفس

لم ينتقض مني المشيب قلامة ... ألان حين بدا ألب وأكيس

قال: "ما عزاني أحد عن شيبي بأحسن من هذا، ثم أمر لي بجائزة، وقال لي لك ضعفها أو عليك غرمها إن عرفت الموضع الذي أخذتها منه "قال: فقلت من قول امرئ القيس "ألا إن بعد العدم للمرء قنوة" وذكر البيت، فقال: لله درك من فارس شعر؟ وأمر لي بضعف الجائزة.

٦١٩ قال محمد بن عبد الواحد: وكان مروان بن أبي حفصة يقول: أحسن ما قيل في وصف الشيب قول ابن مقبل بسيط:

يا حر أمسى سواد الرأس خالطه ... شيب القذال اختلاط الصفو بالكدر

[٦٢٠ قال أبو علي: والناس يرون أن أحسن ما قيل في وصف الشيب قول الفرزدق كامل:]

والشيب ينهض في الشباب كأنه ... ليل يصيح بجانبيه نهار

قال أبو علي: وهذا خطأ، لأن هذا البيت مركب تركيباً معكوساً، ولا تصح المقابلة في التشبيه، إلا بأن يقول "والشبيب ينهض في الشباب كأنه نهار يصيح بجانبي ليل" ومثل هذا في الخطأ والعكس قول أبي نواس في صفة الخمر طويل:

كأن بقايا ما عفا من حبابها ... تفاريق شيب في سواد عذار

تردت به ثم انفرى عن أديمها ... تفرى ليل عن بياض نهار

فجميع التشبيهات في هذين البيتين مركب على غير تركيب صحيح، لأنه شبه الحباب بالشيب في البيت الأول، وهو تشبيه صحيح ثم شبهه في البيت الثاني عند تعريه، بالليل، فوجب أن يكون الحباب أسود، وقد جعله في البيت الأول أبيض، ثم شبه الخمر بالعذار الأسود في البيت الأول، فوجب أن يكون وصف نبيذاً أسود، وجعله في البيت الأخير يشبه النهار، فوجب أن يكون وصف خمراً، وليس في التناقض والاستحالة شيء أقبح من هذا، وقد كان سبيله إن كان وصف نبيذاً أسود أن يكون ترتيب الكلام: تردت به ثم انفرى عن أديمها تفري ليل عن بياض نهار عن سواد ليل حتى يكون تشبيه النهار بالحباب غير بالشيب وتشبيه النبيذ بالليل غير مناقض تشبيهه إياه بالعذار الأسود، وفي الجملة، فلم يرد إلا وصف الخمر، والأبيات المتقدمة تدل على أنه ما وصف إلا خمراً لا يجوز تشبيهاً بما ينافي ما ذكرنا.

٦٢١ أخبرنا أبو عبيد الله بن أحمد النحوي قال أخبرنا محمد بن الحسن قال أبو حاتم: "ما عزي شيخ عن كبر ببيت أحسن من هذا، وأنشد بيتاً وافر:

فإن أكبر فإني في لداتي ... وعاقبة الأصاغر أن يشيبوا

[٦٢٢ قال أبو علي: وأنا أستحسن قول علي بن جبلة كامل:]

وأرى الليالي ما طوت من شرتي ... ردته في عظتي وفي أفهامي

وعلمت أن المرء من سنن الردى ... حيث الرمية من سهام الرامي

٦٢٣ ومن عجيب الكلام قول إبراهيم بن المهدي طويل:

<<  <   >  >>