للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ألا من مبلغ الحرين عني ... مغلغلة أخص بها أبيا

قال: "الحرين" وهما أخوان، الحر وأبي.

[٧٤٥ ومثل ذلك قول الآخر [كامل] :]

فقرى العراق مسير يوم واحد ... والبصرتان، وواسط تكميله

[أراد] بها الكوفة والبصرة.

[٧٤٦ ومثله قول الآخر [وافر] :]

جزاني الرهمدان جزاء سوء ... وكنت المرء يجزى بالكرامة

والرهمدان: من بني عبس، يقال لأحدهما: رهدم، والآخر: كردم.

[٧٤٧ ومثله [طويل] :]

أخذنا بآفاق السماء عليكم ... لنا قمراها والنجوم الطوالع

أراد الشمس والقمر.

ويتعلق بهذا الباب خبر يتعلق بالمحاضرة أوردته إذ كان الموضع مفتقراً إليه

٧٤٨ أخبرنا الحكيمي قال أخبرنا أحمد بن يحيى قال أخبرنا محمد بن زياد الأعرابي قال أخبرنا المفضل قال دعاني الرشيد، فدخلت إليه في يوم خميس، وعنده علي بن حمزة الكسائي وبين يديه محمد والمأمون، فقال لي يا فضل: كم اسم في قوله عز وجل: "فسيكفكهم الله"؟ فقلت له: ثلاثة أسماء، أحدها اسم الله عز وجل، والثاني [الكاف] وهو اسم النبي صلى الله عليه وسلم والهاء والميم للكفار، فقال هكذا أخبرني هذا الشيخ- وأومأ بيده إلى الكسائي -ثم قال يا مفضل هل عندك مسألة؟ قلت نعم! أخبرني عن قول الشاعر "أخذنا بأفاق السماء عليكم" وذكرت البيت فقال أراد الشمس والقمر فغلب القمر لأن العرب إذا اجتمع لها اسمان غلبت أحدهما [فغلبوا] القمر لكثرة استعمالهم له، إذ كان يعمل في الشهور ويطلع بالليل والنهار.

وكذلك فعلوا في سيرة العمرين، لما كان عمر أكثر فتوحاً وأطول مدة غلب اسمه، فقلت ليس هذا أراد قائله يا أمير المؤمنين! فقال: هكذا أفادنا هذا الشيخ، وأومأ بيده إلى الكسائي، ثم قال: هل فيه زيادة؟ فقال له [الكسائي] قد وفيته يا أمير المؤمنين ما تقول العرب، فقال لي الرشيد: فما عندك يا مفضل؟ فقلت أراد بالشمس: خليل الله إبراهيم، وبالقمر: النبي صلى الله عليه وسلم، وبالنجوم: أنت وآباءك، فقال: أحسنت يا مفضل! وأمر لي بعشرة آلاف درهم، ودعا بكرسي فجلس عليه، وبكرسي آخر فأجلس الكسائي عليه، ثم نادى بالشعراء [فتقدمهم] الفضل بن الربيع والعماني والنمري، فاستنشد العماني فأنشده قصيدة يمدحه فيها، حتى انتهى فيها إلى قوله [رجز] :

قل للإمام المقتدي بأمه ... ما قاسم دون مدى ابن أمه

فقال له: ويحكم أما رضيت أن أسميه [ولياً للعهد] حتى أقوم على رجلي! فقال: يا أمير المؤمنين! ما أردت قيام جسم، بل قيام عزم، ثم أمر بإحضار القاسم، ومر العماني في أرجوزته يهدر فيها، حتى أتى عليها، وطلع القاسم فأومأ إليه بالجلوس، فجلس ثم قال: أما هذا الشيخ -[وأومأ إلى الكسائي-فقد] سألنا أن نوليك العهد، وقد [فعلنا] ، فقال: حكم أمير المؤمنين! قال: "وما أنا وهذا؟! بل حكمك" ثم أنشد النمري حتى انتهى إلى قوله:

ما كنت أوفى شبابي كنه غرته ... حتى انقضى، فإذا الدنيا له تبع

فتحرك الرشيد، وقال "صدق والله، [ما يتهنا] أحد بعش حتى يخطر فيه رداء الشباب" ثم استؤذن لسعيد بن مسلم، فدخل، فسلم، وقال يا أمير المؤمنين! بالباب شاب قدم علي من البادية، ما سمعت بأشعر منه، فقال: أما أنت فقد استبحت هذين، فهيء لي أحجارك، قال أو يهنأني لك يا أمير المؤمنين؟! فأذن له، فدخل شاب عليه حبرة قد شد بها وسطه [وعلى] رأسه خدرية مدلاة عليها عمامة طويلة، فتبسم الرشيد لما نظر إليه، ثم أنشده شعراً حسناً جيداً، فلما فرغ منه قال الرشيد أعجب بك مستجيباً وأتهمك منكراً، فإن كنت صادقاً في أن هذا الشعر لك، فقل في هذين وأومأ إلى محمد والمأمون وهما [حفافاه] فقال "يا أمير المؤمنين، حملتني على العدد غير الجدد، وربما منع من ذلك روعة الخلافة و [فقر البديهة] ، ونفور القوافي عن الروي، فإن رأي أمير المؤمنين أن يهملني حتى ترجع نافراتها، ويسكن روعي، قال: "قد أمهلتك يا أعرابي، وجعلت اعتذارك بدلاً من [امتحانك] فقال يا أمير المؤمنين، لقد نفست الخناق، وسهبت ميدان السباق، ثم فكر ملياً وقال [طويل] :

بنيت لعبد الله بعد محمد ... ذرى قبة الإسلام فاخضر عودها

هما طنباها بارك الله فيهما ... وأنت أمير المؤمنين عمودها

فقال: أحسنت، بارك الله فيك، فلتكن [إجازتك] على قدر إحسانك.

<<  <   >  >>