للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٥٣ وقد اتَّبَع امرأ القيس طُرَيْحُ بنُ إسماعيل الثَّقفي فقال كامل:

تَستَخبرُ الدِّمَنض القِفَارَ وَلضمْ يَكُنْ ... لِتَرُدَّ مُخْبرةً على مستخْبِرِ

فظَلَلْتَ تحكُمُ بين قلبٍ عارفٍ ... مَغْنَى أحِبَّتِهِ، وطَرفٍ مُنْكِرِ

[١٥٤ وأحسن أبو نواس في ابتدائه حيث يقول كامل:]

صفة الطلول بلاغةُ القُدْمِ ... فاجعَلْ صفاتِك لابْنَةِ الكَرْمِ

لا تَخْدَعنَّ عن التي جعلَتْ ... سُقْم الصحيح وصِحَّةَ السقْمِ

والبيت الثاني من ذهين البيتين أَخَذَهُ من قول الأعشى متقارب:

وَكَأسٍ شَرِبْتُ عَلَى لَذَّةٍ ... وأخرى تَأَوَّلْتُ مِنْهابِها

[١٥٥ كقول أبي نواس بسيط:]

سَاعٍ بكأسٍ إلى ناسٍ على طَرَبٍ ... كِلاَهُما عَجَبٌ في منظَرٍ عَجَبِ

قامت تُرِينِي وَأمْر الليل مجتمعٌ ... صُبْحاً تولَّد بين الماءِ والعِنبِ

كأنَّ صُغْرَى وكُبْرَى من فَواقِعهَا ... حَصباءُ دُرٍ عَلَى أَرْض من الذَّهَبِ

قال أوب علي: وأكثر ابتداءاته واتباعها مقصورة.

١٥٦ ولا أعلم أحداً من المحُحدَثين بعد أبي نواس، تناضر إحسانه في ابتدائاته مثل أبي تمام. فإنه أحسن كل الإحسان في قوله كامل:

بِأربْعُ لَوْ رَبَعُوا عَلَى ابْنِ هُمُوم ... مُسْتَسْلِمٍ لِجَوى الفراق سَقِيمِ

وقوله بسيط:

يَا بُعْدَ غَايَةِ دَمْع العين إنْ بعدُوا ... هي الصَّبابةُ طولَ الدَّهْرِ والسهد

وقوله طويل:

قِفُوا جَدِّدوا من عهدكم بالمعاهِدِ ... وإِنْ هِيَ لم تَسْمَعُ لنشدَانِ ناشِد

ويُروى "وَإِنْ لَمْ تُصِخْ سَمْعاً لِنِشْدانِ ناشد".

٣- ومن بديع ابتداءاته بسيط:

السَّيْفُ أصدَقُ أنْباءً منَ الكتب ... في حَدِّه الحَدُّ بين الجدِّ واللَّعِبِ

٤- وإن كان قد أخذ المصراع الأول من قوله:

مَحَا السَّيفُ ما قال ابنُ دَارَةَ أَجْمَعَا"

[١٥٧ ومن الإراق قوله خفيف:]

أيُّها البَرْقُ بِتْ بأعْلَى البُراق ... وأغدُ فيها بِوَابِلٍ غَيْدَاقِ

وتَعَلَّمْ بأَنَّهُ، مالأَنْوَا ... ئِكَ، إِنْ لَمْ تُرَوِّها مِنْ خَلاَقِ

مِنْ طالما التقت أدْمُعُ المزْ ... نِ عليها وأدْمُع العُشَّاقِ

فَقَدْ أَحْسَنَ في الثلاثة الأبيات، إحساناً لا يختلُّ على نقاد الكلام، وجَهَابِذَةِ الألفاظِ.

١٥٨ وما أحسن فيه كل الإحسان، حتى لو شئت أن أقول إنه يجري وأوس بن حجر في مضمار واحد، قوله مبتدئاً مرثية طويل:

اصم بك الناعي وإن كان اسمعا ... وأصبح مغنى الجود بعدك بلقعا

-فلا أعلم نظيراً لقول أوس بن حجر: "أيتها النفس أجملي جزعاً" إلا هذا.

[١٥٩ ومن ابتداءات البحتري، التي وفق فيها قوله كامل:]

عارضتنا أصلاً فقلنا: الربرب ... حتى أضاء الأقحوان الأشنب

وقوله وافر:

أناة أيها الفلك المدار ... انهباً ما تقسم أم جبار

وقوم يزعمون أنه أحسن في قوله طويل:

ضمان على عينيكم إني لا أسلو ... وإن فؤادي من جوى بك لا يخلو.

١٦٠ قال ألو علي: أخبرني أبو عمرو قال أخبرنا أحمد بن يحيى عن أبي عبد الله القمي قال: سمعت ابن الأعرابيغير مرة يقول: "ما ظننت أن أحداً في زماننا يحسن أن يبتديء فيقول كما قال إسحاق الموصلي خفيف:

هل إلى أن تنام عيني سبيل ... إن عهدي بالنوم عهد طويل

ولا كما قال أبو نواس كامل:

صفة الطلول بلاغة القدم ... فاجعل صفاتك لابنة الكرم

تصف الطلول على السمكاع بها ... أفذوا العيان كأنت في العلم

وإذا نعت الشيء متبعاً ... لم يخل من زلل ومن وهم

قال: "ولم يقل في معنى هذه الأيات أحدٌ مثلها".

١٦١ قال أبو علي: أما أبيات أبي نواس هذه، فلا يستطيع أحد مماثلتها في معناها بشيء من أشعار المتقدمين، ولا المتأخرين ابتداعاً للمعنى، وإحساناً في الصفة، ودقة في النسج، وأما بيت إسحاق الموصلي، فعذب المشرب، متوقد الكوكب، لولا أن قول أبي نواس، كدر صفوه، وكذب نوءه، وهو كامل:

رسم الكرى بين الجفون محيل ... عفى عليه بكاً عليك طويل

يا ناظراً ما أقلعت لحظاتها ... حتى تشخص بينهن قتيل

<<  <   >  >>