للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٦٨٦ أخبرني محمد بن يحيى قال أخبرني محمد بن زكرياء القلابي قال محمد، وأخبرنا أبو العيناء عن الأصمعي قال: أبدع بيت تخالع به شاعر قول أبي نواس كامل:

دع عنك ما جدوا به وتبطل ... وإذا مررت بربع قصف فاهزل

لا تركبن من الذنوب خسيسها ... واعمد

إذا فارقتها

للأنبل

وخطيئة تغلو على مستامها ... يأتيك آخرها بطعم الأول

حللت ... لا حرج علي

حرامها

ولربما حللت غير محلل

ولا أعلم أحداً سبقه إلى هذا المعنى، ولقد أحسن من جهة، وإن أساء في أخرى.

[٦٨٧ ومما أرويه من قوله في أبياته في هذا المعنى، وهي فيما أرى أشعر من الأول بسيط:]

يا رب ذنب تؤود المال قيمته ... حر الثناء صريح حين ينتسب

لا يقرع المرء منه سنه ندماً ... ولا يزال به في القوم ينتصب

إذا تذكره اختالت مخائله ... حتى تخالطه من نخوة غضب

قد قررتها بأيديها ملائكة ... علي لا تنسخ الأيام ما كتبوا

[أشعر ما قيل المرائي]

[٦٨٨ أخبرنا عبد الله بن جعفر قال أخبرنا محمد بن يزيد قال:]

مرائي الشعراء الجاهلية المشهورة المقدمة الموسومة بميسم البيان، المتعالمة بمعالم الإحسان، ستة أحدها: قول أوس بن حجر منسرح:

أيتها النفس أجملي جزعا ... إن الذي تحذرين قد وقعا

والثاني: قول متمم بن نويرة في أخيه مالك طويل:

لعمري وما دهري بتأبين هالك ... ولا جزع مما أصاب فأوجعا

والثالثة: قصيدة دريد بن الصمة في أخيه عبد الله، وأولها طويل:

أرث جديد الحبل من أم معبد ... بعاقبة أو أخلفت كل موعد

والرابعة: قول كعب بن سعد الغنوي التي يرثي فيها أخاه، وأولها طويل:

تقول سليمي ما لجسمك شاحباً ... كأنك يحميك الطعام طبيب

والخامسة: قول أعشى باهلة يرثي فيها المنتشر، وأولها بسيط:

إني أتتني لسان لا أسر بها ... من علولا عجب منها ولا سخر

والسادسة: قول أبي ذؤيب الهذلي يؤثي بنيه، وأولها كامل:

أمن المنون وريبه تتوجه ... والدهر ليس بمعتب من يجزع

٦٨٩ قال محمد بن يزيد "وفي هذه القصائد من حر الكلام وشائق المدح ما ليس لأحد مثله، وأحسن المراثي ما خلط بين معاني التفجع والثناءبعضه ببعض، فجمع الشيء الموجع للرثاء والمدح البارع من إفراط التفجع باستحقاق المرئي ذلك، قإذا وقع وانتظم هذا، بكلام صحيح، ولهجة معربة، وألفاظ غير متفاوتة، فهو الغاية من كلام المخلوقين".

[٦٩٠ فأما قول أوس بن حجر:]

أيتها النفس أحملي جزعاً ... إن الذي تحذرين قد وقعا

فالعرب تقول "الحذر أشد من الوقيعة" وإنما حذر الشيء المخوف أن يكون صاحبه مرتاعاً حذر وقوعه، فإذا وقع اليأس ارفع ذلك الحذر.

ولا يعرف أحد ابتدأ مرثيته وتبعها بأحسن من هذا الابتداء، فأما التتبيع فقوله المنسرح:

إن الذي جمع السماحة والنج ... دة، والبأس والندى جمعاً

لألمعي الذي يظن بك الظ ... ن كأن قد رأى وقد سمعا

المتلف المخلف المرزأ لم ... يمتع بضعف ولم يكن طبعاً

والحافظ الناس في تحوطه إذ ... لم يرسلوا خلف عائذ ربعاً

وخرت الشمال الرياح وقد ... أمسى كميع الفتاة ملتفعاً

وذات هدم عار نواشرها ... تصمت بالماء تولباً جدعاً

لبيكك الشرب والمدامة وال ... فتيان طراً وطامع طمعاً

٦٩١ قال أبو علي: الألمعي: الحديد القلب الذي يوقع الشيء موقعه، وهذا مثل لا يعرف لأحد قبله، وقوله المخلف المتلف، يقول: يتلف جوداً وكرماً، ويخلف نجدة واكتساباً، وقوله: لم يمتع بضعف: من قولك "امتع الله لفلان" أي أبقاه، وقوله: طبعاً أي حرصاً غلب على قلبه كالطبع على السيف وهو الصدأ، وقوله في تحوط يريد السنة المجدية، كأنها سميت بذلك، لإحاطتها بالمال، ويروى: في قحوط بالقاف قال أبو داؤد خفيف:

رب غم فرجته في قحوط ... وغيوب كشفتها ظنون

<<  <   >  >>