للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثناء كأن الروض فيه منورا ... ضحى وكأن الوشى فيه مسهماً

-ولقد تقدم البحتري الناس كلهم طويل:

ولو أن مشتاقاً تكلف غير ما ... في وسعه لمشى إليك المنبر

١٨٤ قال أبو علي: وكنت ساكتاً، إلى أن استتم كأمه، فكأنه جماعة أعجبهم ذلك، عصبية علي، لا على أبي تمام، فإني كنت كالشجاع معترضاً في لهواتهم. وأسر كل واحد منهم إلى صاحبه سراً يومئ إليه باستيلاء الرجل عليَّ. فلما استتم كلامه، وبرقت له بارقة طمع في تسليمي له ابتدأت فقلت:

١٨٥ لست ممن يقعقع له بالحصى ولا يقرع له بالعصى! لا إله إلا الله!! أستنت الفصال، حتى القرعي؟! يا سبحان الله! هل هذه المعاني إلا عون مفترعة قد تقدم أبو تمام إلى سبك نضارها؟!! وافتضاض أبكارها!؟ وجرى البحتري على وتيرته، في انتزاع أقفلها واتباعها!!

-فأما قوله: "عارضننا أصلاً فقلنا الربرب" فمن قول أبي الجويرة العبدي كامل:

سلمن نحوي مودعين بمقلة ... فكأنما نظرت إلينا الربرب

وقرأن نحوي مودعين تحية ... كادت تكلمنا وإن لم تعرب

-وأما قوله في وصف الغيث للدار طويل:

وجاءك يحكي يوسف بن محمد ... فروتك رياه وجادك ماطره

-وقوله في هذا المعنى: "لوجدت جود بني يزداد لم تزد" فمن قول أبي تمام كامل:

ولنؤيها في القلب نوي شفه ... وله بظاعنها وبالمتخلف

وكأنما استسقى لهن محمد ... فرسومهن من الحيا في زخرف

-ومن قوله الذي تقدم فيه كل أحد، لفظاً رشيقاً ومعنى بديعاً خفيف:

ديمة سمحة القياد سكوب ... مستغيث بها الثرى المكروب

أيها الغيث حي أهلاً بمغدا ... ك، وعند السرى وحيث تؤوب

لأبي جعفر خلائق تحكي ... هن قد يشبه النجيب النجيب

أنت فينا في ذا الزمان غريب ... وهو فينا في كل وقت غريب

-وقوله طويل:

كأن سناها بالعشي لصاحبها ... تبلج عيسى حين يلفظ بالوعد

فإنما نظر فيه إلى قول دعبل متقارب:

وميثاء خضراء زريبة ... بها النور يلمع من كل فن

ضحوكا إذا لاعبتها الرياح ... تأود كالشارب المرجحن

فشبه صحبى نوارها ... بيربوع كسرى ووشى اليمن

فقلت: بعدتم، ولكنني ... أشبهه بجناب الحسن

فتى لا يرى المال إلا العطا ... ولا الكنز إلا اعتقاد المنن

-وأما قوله في صفة القوافي: "يسير ضاحي وشيها وينمنم" وقوله في "وكأن الوشي فيها مسهماً" فمن قول أبي تمام كامل:

دانوا بها عقد النسيب ونمنموا ... من وشيه نسقاً لها وقصيداً

-ومن قوله الذي أبدع فيه طويل:

ووالله لا أنفك أهدي شواردا ... إليك، يحملن الثناء المنخلا

تخال به برداً عليك محبباً ... وتحسبه دراً عليك مفصلا

ألذ من السلوى وأطيب نفحة ... من المسك مفتوتاً وأيسر محملا

أخف على روح وأثقل قيمة ... وأقصر في شجع الجليل وأطولا

ويزهى به قوم ولم يمدحوا به ... إذا مثل الرواي به أو تمثلا

-وقول البحتري: "هي الأنجم اقتادت مع الليل أنجماً" مأخوذ من قول أبي تمام، ومقصر فيه كل التقصير، عن استيفاء إحسانه حين يقول طويل:

اصخ تستمع در القوافي ما لها ... كواكب إلا أنهن سعود

ولا يمكن الأخلاق منها فإنما ... يلذ لباس البرد وهو جديد

١٨٦ قال أبو علي: فقلت له، هذا حال صاحبك، فيما عددته من محاسنه التي هتكت فيها ستر عواره، ونشرت مطاوي أسراره. حتى استوضحت الجماعة أن إحسانه فيها عارية مرتجعة، ووديعة منتزعة.

١٨٧ فاسمع ما قاله أبو تمام في نحو أبياتك -التي أوجبت الفضل في أساليبها لصاحبك- حين قال مبتدئاً كامل:

لا أنت، أنت ولا الديار ديار ... خف الهوى وتولت الأوطار

كانت مجاورة الطلول وأهلها ... زمناً عذاب الورد فهي بحار

-وقوله كامل:

رقت حواشي الدهر فهي تمرمر ... وغذا الثرى في حليه يتكسر

-وقوله كامل:

أرأيت أي سوالف وخدود ... عنت لنا بين اللوى فزرود

وهل يستطيع أحد يبتدئ بمثل ابتدائه كامل:

طلل الجميع لقد عفوت حميداً ... وكفى على زرء بذاك شهيدا

دمن كأن البين أصبح طالبا ... دمناً لدى أرامها وحقودا

-أو مثل قوله مبتدئاً كامل:

<<  <   >  >>