١١٥ ومن الإغراق قول النابعة يصف حوم الطير حول العسكر توقعاً للقتل طويل:
جوانح قد أيقن أن قبيله ... إذا ما التقى الجمعان أول غالب
فجعل الطير توقن بأنه غالب.
[١١٦ وقد تقدمه الأفوه الأودي إلى هذا المعنى بقوله رمل:]
وترى الطير على آثارنا ... رأي عين ثقة أن ستمار
١١٧ قال أبو علي: ولكن من أين للأفوه الأودي، ابتداء النابغة: بما يحسن عند السامع، عما ينقاد له القول، قبل استمامه؟ هو طويل:
إذا ما غزوا بالجيش حلق فوقهم ... عصائب طير تهتدي بعصائب
فقدَّم في هذا البيت معنى ما تحلق الطير من أجله، ثم أوضحه بقوله طويل:
يصاحبنهم حتى يغرن مغارهم ... من الضاربات بالدماء الدوارب
تراهن خلف القوم خزراً عيونها ... جلوس الشيوخ في مسوك الأرانب
لهن عليهم عادة قد عرفنها ... إذا وضعوا الخطي فوق الكواثب
[١١٨ فتبعه حميد بن ثور الهلالي فقال طويل:]
إذا ما غزا يوماً رأيت غيابة ... من الطير يرقبن الذي هو صانع
فهم بأمر ثم أزمع غيره ... وإن ضاق أمر مرة فهو واسع
(١١٩) فتلاهم أبو نواس فقال وأحسن مديد:
تتأيا الطير غدوته ... ثقة بالشبع من جزره
قال أبو علي: وحكى عمر الوراق، قال: "رأيت أبا نواس ينشد:
وإذا مج القنا علقا ... وتراءى الموت في صوره
راح في ثنيي مفاضته ... أسد يدمي شبا ظفره
تتأيا الطير غدوته ... ثقة بالشبع من جزره
فقلت له ما تركت للنابغة شيئاً؟ فقال: "اسكت؟ فلئن كان سبق إليه، لما انصاعت الأتباع له".
١٢٠ قال أبو علي: وأحمد من هذا مذهباً، وأسلم تركيباً، قول أبي تمام -على تأخر زمانه- طويل:
تسربل سربالاً من الصبر وارتدى ... عليه بعضب في الكريهة فاصل
وقد ظللت أعقاب رايته ضحى ... بعقبان طير في السماء نواهل
أقامت مع الرايات حتى كأنها ... مع الجيش إلا أنها لم تقاتل
١٢١ومن هذا قول الراجز، يصف فرساً له، وهو أول من نطق به راجز:
جاء كلمع البرق جاش ناظره ... يسبح أعلاه ويطفو آخره
فما تمس الأرض منه حافره
١٢٢ واعتمد خلف الأحمر على هذا المعنى فقال يصف ثوراً وحشياً، إلا أنه أتى فكاد يخرج بها عن حبل المحال كامل:
فكأنما جهدت اليته ... ألا تمس الأرض أربعه
[١٢٣ وقال أبو نواس رجز:]
ما إن يقعن الأرض إلى فرطاً ... كأنما يعجلن شيئاً لقطاً
[١٢٤ قال أبو علي: ومن بعيد الإغراق قول مهلهل وافر:]
فلولا الريح اسمع أهل حجر ... صليل البيض تقرع بالذكور
إذ كان بين حجر وبين موضع الوقعة التي ذكرها مسافة بعيدة جداً.
[١٢٥ ومن بعيد الأغواق، قول الآخر في صفة الناقة:]
ويمنعها من أن تطير زمامها
١٢٦ قال أبو علي: وأحمد منه، ما أنشدناه محمد بن عبد الواحد أحمد بن يحيى لأبي هفان رجز:
تسمع للريح إذا ما سارا ... بين سواريه رحاً دواراً
لو أنه طار بعيرا طارا
١٢٧ وفي مثله قول معاوية بن مرداس، يصف فرساً بسيط:
يكاد في شأوه لولا اسكته ... لو طار ذو حافر من سرعة طارا
[١٢٨ ونحوه قول سلمة بن عوف في فرس عامر بن الطفيل طويل:]
فلو أنها تجري على الأرض أدركت ... ولكنما يطلبن تمثال طائر
[١٢٩ ويجري معه قول ابن مقبل طويل:]
كأن يديه والغلام يجله ... جناحان من سواذق حين شمرا
-السواذنيق: الصقر، والشاهين، أيضاً، والأجدل: والصقر، والمضر: حي النسر.
[١٣٠ وبيت امرئ القيس أحسن وأشبه وأحسبه أول من طرق هذا المعنى، بقوله طويل:]
كأن غلامي إذا علا حال متنه ... على ظهر باز في السماء محلق
[١٣١ ومثل ذلك قول سلمان بن ربيعة بن زبان متقارب:]
وليلة أفنيت ريعانها ... بعجلزة جمزي المدخر
جموح لجري إذا عوفيت ... وإن نوزفت برزت بالخصر
سبوح إذا اعتزمت في العنا ... ن مروح معلمة كالحجر
فلو طار ذو حافر قبلها ... لطارت، ولكنه لم يطر
فما سوذنيق على مرفأ ... خفيف الفؤاد حديد النظر
رأى أن ينافسها بالعرا ... فبادر ولجات الخمر