للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما سمعها الزبرقان قال: ما هجيت بأشد منها. قال خلف الأحمر: لقد صدق لأن قوله فيها، وتفضيله من فضله بأبياتها، أبدع وأبرع من كل شيء قيل في معناه وهو قوله وافر:

ألا أبلغ بني عوف بن كعب ... وهل حي على خلق سواء؟

عطارها وبهدلة بن عمرو ... فهل يشفي صدوركم الشفاء

ألم أك نائياً فدعوتموني ... فجاءبي المواعد عواء

ألم أك ضيفكم فتركتموني ... لكلبي في دياركم عواء

ووانيت العشاء إلى شهيل ... أو الشعراء فطال بي الأناء

ألم أك جاركم وتكون بيني ... وينكم المودة والإخاء

ولما أن أتيتكم أبيتم ... وشر مواطن الحسب الأحباء

ولما كنت جارهم حبوني ... وفيكم كان

لو شئتم

حباء

فلما إن مدحت القوم قلتم ... هجوت وما يحل لي الهجاء

فلم أشتم لكن حسباً ولكن ... حدوت بحيث يستمع الحداء

فلا وأبيك ما ظلمت قريع ... بأن يبنوا المكارم حيث شاؤوا

[٥٦١ ومما أحسن فيه كل الإحسان في هذا المعنى قوله بسيط:]

لقد مريتكم لو أن ردتكم ... يوماً يجيء بها مسحي وإبساسي

وقد نظرتكم ما قبل عاشية ... للخمس طال بها حوزي وتنساسي

الأبساس كلمة تسكن بها الناقة عنه الحلاب، يقال بس، بس، وتنساس. والحوز: السوق الشديد. والعاشية: الإبل التي تتعشى بعد الخمس، فعشاؤها طويل لأنها لا تتعشى إلا بعد خمسة أيام في عشوة الليل، فلذلك سميت عاشية.

لما بدا لي منك غيب أنفسكم ... ولم يكن لجراحي فيكم آس

أزمعت يأساً مريحاً من نوالكم ... ولن ترى طارداً للحر كاليأس

وما كان ذنب بغيض لا أبا لكم ... في بأس جاء يحدو آخر المياس

جار القوم أطالوا هون منزله ... وغادروه مقيماً بين أرماس

ملوا قراه وهرته كلابهم ... وجرحوه بأنياب وأضراس

لا ذنب للقوم إن كانت نفوسكم ... كفارك كرهت ثوبي وإلباسي

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس

ما كان ذنبي أن أفلت معا ولكم ... من آل لأي صفاة أصلها رأسي

دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

٥٦٢ قال أبو علي: والحطيئة إن كان محسناً في هذه الأبيات، متقدماً فيها جميع من سلك هذا السبيل، فإن ما اقتضى أسلوب الأعشى في تفصيله على علقمة بن علافة، عامر بن الطفيل.

٥٦٣ أخبرنا أبو عبد الله الحكيمي عن أحمد بن يحيى عن عمر بن شبة، عن أبي عبيدة قال: لما تنافر عامر وعلقمة الجعفريان، فتنازعا الرياسة ليحكم بينهما، فشخص من بني مالك بن جعفر مع عامر، ومعه لبيد من ربيعة، وشخص بنو الأحوص بن جعفر مع علقمة ومعهم الحطيئة الشاعر ومع كل واحد منها ثلاثمائة بعير ومع أصحابه مائة، فلما بلغ هرماً دنوهما، استخفى.

فجعلا يتهاتران فقال علقمة: أنا عفيف وأنت عاهر، وأنا ولود وأنت عاقر، وأنا أقرب إلى ربيعة منك، فقال عامر زجر:

فأخرتني بشكر بن بكر ... والمنجين أهل سيف البحر

والعبد عبد القيس أهل التمر ... هذا أوان أخذت بالنصر

فقال لبيد على لسانه زجر:

يا هرماً وأنت أهل عدل ... هل يذهبن حسبي وفضلي

إن ولد الأحوص يوماً قبلي ... ثم لهن بانطلاق رسلي

قد علموا أنا خيار الهبل

وجعل الحطيئة يقول طويل:

وما ينظر الحكام بالفصل بعدما ... بدا "واضح" ذو غرة وخجول

إذ يسأل المعروف أربى عليهم ... بمستفرغ ماض الذنوب سجيل

فلما رأوا هرماً لا يظهر لهم توجهوا إلى ... الأعشى حاسراً، وقد كان المشارك في وقت انصرافه من مدق قيس بن معدي كرب حتى قال وأجازه أيضاً بعد قوله بأن تضمن له ما أعطاه الخفرة في جواره. فقال الأعشى: ما الخطب؟ فأخبره، فرجع معه، وقال: إني قائل الشعر كما حكمتماني ثم أنا واقف في سوق عكاظ، فمنشدها، فأوعد أصحابك أن يعقروا الإبل وأن يحفظوا الشعر، وغدا الأعشى فقال، ورفع عقيرته بالغناء سريع:

علقمة لا، لست إلى عامر ... الناقض الأوتار والواقر

سدت بني الأحوص لم تعدهم ... وعامر ساد بني عامر

ما يجعل الحد الظنون الذي ... جنب صوب اللجب الزاخر

<<  <   >  >>