للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صر بالمصراع الأول، فأحسن الابتداء، وردَّد في المصراع الثاني، فأحسن الترديد، وكذلك قوله "إذا ما تقاضى المرء يوم وليلة" ومثله:

٤٥أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه، قال أخبرني علي بن مهدي الكسوري عن حبيب: لا أعلم أحداً أحسن في صناعة الترديد من زهير في قوله بسيط:

من يلق يوماً على علاته هرماً ... يلق السماحة منه والندى خلقاً

[٤٦ قال أبو علي: وقد أحسن الخليع الباهلي في ترديده بقوله طويل:]

لقد ملأت عيني بغر محاسن ... ملأن فؤادي لوعة وهموماً

وأحسن أبو نواس في قوله بسيط:

صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها ... لو مسها حجر مسته سراء

ولعلي بن جبلة -على تأخر زمانه- في قوله يصف فرساً كامل:

مضطرب يرتج من أقطاره ... كالماء جالت فيه ريح فاضطرب

إذاً تظنينا به صدقنا ... وإن تظني فوته العير كذب

لا يبلغ الجهد به راكبه ... وتبلغ الريح به حيث أحب

[أبدع ما قيل في التتبيع]

٤٧-قال أبو علي: هو أن يريد الشاعر معنى، فلا يأتي باللفظ الدال عليه، بل بلفظ تابع له، فإذا دل التابع، أبان عن المتبوع، وأحسن ما قيل في ذلك، وأبدعه، قول عمر بن أبي ربيعة طويل:

بعيدة مهوى القرطي، إمالنوفل ... أبوها، وإما عبد شمس وهاشم

إنما ذهب إلى وصف طول الجيد، فلم يذكره بلفظه الخاص به، بل أتى بمعنى بدل على طول الجيد، وهو قوله: "بعيدة مهوى القرطي".

[٤٨ قال أبو علي: وأبدع من هذا في التتبيع قول امرئ القيس طويل:]

ويضحي فتيت المسك فوق فراشها ... نؤوم الضحى لم تنطلق عن تفضل

قال أبو علي: إنما أراد أن يذكر ترفه هذه المرأة، وأن لها من يكفيها. فأتى باللفظ التابع لذلك.

[أبدع ما قيل في التبليغ]

٩- وقد سماه قوم: الإيغال

٤٩ قال أبو علي: هو أن يأتي الشاعر بالمعنى في البيت تماماً، قبل انتهائه إلى القافية، ثم يأتي بها لحاجة الشعر إليها، فتزيد البيت نصاعة، والمعنى بلغاً إلى الغاية القصوى في الجودة، وأبدع ما قيل في ذلك قول امرئ القيس طويل:

كأن عيون الوحش حول خبائنا ... وأوحلنا الجزع الذي لم يثقب

فقد تم الوصف قبل القافيه، وذلك أن "عيون الوحش" إذا ماتت وتغيرت هيئتها، أشبهت الجذع، ثم أتى بالقافية، ثم أكد المعنى البعيد في التأكيد، لأن تشبيه عيون الوحش بالجذع الذي لم يثقب، أوقع في التشبيه، وزعم الأصمعي، أنه إذا كان كذلك، كان أصفى له وأحسن.

وقول امرئ القيس أيضاً طويل:

إذا ما جرى شأوين وابتل عطفه ... تقول هزيز الريح مرت بأثاب

فقد تم الوصف بالتشبيه قبل القافية، فلما أتى بها، زاد المعنىبراعة، ونصاعة، وذلك لأن "الأثأب" شجر يكون للريح في أغصانه حفيف شديد.

٥٠قال أبو علي: أخبرنا عبد الله بن جعفر عن المبرد عن التوزي قال: قلت للأصمعي من أشعر الناس؟ قال: "من يأتي إلى المعنى الخسيس فيجعله بلفظه حسناً، ويأتي إلى المعنى الكبير فيجعله بلفظه خسيساً.

أو ينقضي كلامه قبل القافية، فإذا احتاج إليها، أفاد بها معنى "قال: قلت: نحو من؟ قال نحو الأعشى إذ يقول- بسيط:

كناطح صخرة يوماً ليفلقها ... فلم يضرها، وأوهى قرنه الوعل

فقد تم المعنى بقوله "وأوهى قرنه" فلما احتاج إلى القافية، قال: "الوعل".

قال: قلت: وكيف صار الوعل مفضلاً على كل ما ينطح؟ قال: لأنه ينحط من قنة الجبل على قرنه، فلا يضيره، قال، قلت: ثم نحو من؟ أيضاً؟ قال: نحو قول ذي الرمة، حيث يقول طويل"

قف الفيس في أطلال فاسأل ... ربوعاً كأخلاق الرداء ...

فتمم كلامه، ثم احتاج إلى القافية فزاد شيئاً فقال: "المسلسل" وقوله طويل.

أظن الذي يجدي عليك سؤالها ... دموعاً كتبديد الجمان ...

فتمم كلامه، ثم احتاج إلى القافية فزاد شيئاً أيضاً فقال: "المفصل".

[أبدع ما قيل في الالتفات]

وقد سماه قوم الاعتراض

٥١ قال أبو علي: هو أن يكون الشاعر أخذ في معنى فيعدل عنه إلى غيره، قبل أن يتم الأول، ثم يعود إلي فيتمه، فيكون فيما عدل إليه مبالغة في الأول، وزيادة في حسنه.

٥٢ واختلفوا في أحسن ما قيل في هذا النوع، فقال: قوم: قول النابغة وافر:

<<  <   >  >>