حي الغداة يرامة الأطلال ... رسماً تحل أهله فأحالا
أم الأخطل في قوله كامل:
كذبتك علينك أم رأيت بواسطة ... غلس الظلام من الرباب خيالا"
فقال "هو أشعر مني، غير إني قد قلت في قصيدتي بيتاً، لو أن الأفاعي نهشت أسنانهم، ما حكوه بعده. وهو كامل:
والتغلبي إذا تنحنح للقرى ... حك استه، وتمثل الأمثالا
تلقاهم حلماء تلقهم عن أعدائهم ... وعلى الصديق تراهم جهالا
٤٦٩ وروى الأصمعي: أن الفرزدق والأخطل اجتمعا، فقال الأخطل للفرزدق: "أنا والله أنت، أشعر من جرير، غير أنه رزق من سيرورة شعره ما لم نرزقه، لقد قلت بيتاً لا أحسب أحداً قال أهجى منه وهو بسيط:
قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم ... قالوا لأمهم بولي على النار
وقال جرير: "والتغلبي إذا تنحنح للقرى" -وذكر البيت- فلم تبق سقاءة ولا أمة إلا روته قال الأصمعي: "فحكا له بسيرورة الشعر".
[٤٧٠ قال أبو علي: ووجدت جماعة من أصحابنا يقدمون قول التحكم الخضري وافر:]
ألم تر أنهم رقموا بلوم ... كما رقمت بأذرعها الحمير
يطهر من يصوم، ومن يصلي ... ومرة ما يطهرها طهور
٤٧١ أخبرني ابن أبي غسان عن الفضل بن الحباب عن محمد بن سلام قال (قال النابغة الجعدي -وهو يهاجي أوس بن المغراء- "إني وإياه لنيتدر بيتاً لو قاله أحدنا غلب على صاحبه" فلما قال أوس طويل:
ولست بعف عن شتيمة عامر ... ولا حابس عنها الغداة وعيدها
ترى اللؤم ما عاشوا جديداً عليكم ... وأبقي ثياب اللابسين جديدها
لعمرك ما تبلى سرابيل عامر ... من اللؤم ما دامت عليها جلودها
قال النابغة: هذا البيت الذي كنا نبتدره وغلبت الناس أوس على النابغة) .
٤٧١ أخبرنا عبيد الله بن أحمد قال: أخبرنا محمد بن الحسن قال: أخبرنا أبو عثمان الأشنانداني عن التوزي عن أبي عبيدة عن يونس قال: وقال عبد الملك بن مروان يوماً -وعنده جلساؤه- "هل تعلمون أهل بيت قيل فيهم الشعر ودوا أنهم افتدوا منه بأرواحهم؟ " فقال: أسماء بن خارج الفزاري: "نحن يا أمير المؤمنين! " قال: "وما قيل فيكم؟ " قال قول الحارث بن طائع وافر:
وما قومي بثعلبة بن سعد ... ولا بفزارة الشعر الرقابا
فوالله يا أمير المؤمنين، إنني لألبس العمامة الصفيقة فيخيل إلي أن الشعر قفاي قد بدا منها. وقول قيس بن الخطيم وافر:
هممنا بالإقامة ثم سرنا ... مسيرة حذيفة الخير بن بدر
فما يسرنا أن لنا بها حمر النعم، فقال "هانئ بن قبيصة النميري": أولئك نحن يا أمير المؤمنين! فقال: "وما قيل فيكم؟ " قال: "قول جرير وافر:
فغض الطرف أنك من نمير ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا
والله لو وودنا أنا قد فديناه بأموالنا وبقول زياد الأعجم وافر:
لعمرك ما رماح بني نمير ... بطائشة القدود ولا قصار
٤٧٢ أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال أخبرنا محمد بن يحيى قال سمعت أبا العالية يقول: "أهجي ما قيل قول عويف بسيط:
اللؤم أكرم من وبر ووالده ... واللؤم أكرم من وبر وما ولد
واللؤم داء لوبر يقتلون به ... من لؤم أحسابهم أن يقتلوا قودا
قال: "ونحوه قول الآخر وافر:
أبوك، أبوك أربد غير شك ... أحلك في المخازي حيث حلا
فما أبقاك كي تزداد لؤماً ... لألام من أبيك، ولا إذلالا
٤٧٣ أخبرنا عبيد الله بن أحمد بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا أبو حاتم عن العتبي قال: قال عبد الملك بن مروان لبني أمية: "أحسابكم أنسابكم، لا تعرضوها للهجاء، فإن الشعر باق ما بقي الدهر، ووالله ما يسرني أني هجيت ببيت الأعشى، وأن لي طلائع الأرض ذهباً وفضة -وهو قوله "تبيتون في المشتى ملاء قلوبكم" وذكر البيت- ووالله ما على من مدح بهذين البيتين، إلا يمدح بغيرهما. وهما قول زهير طويل:
هنالك أن يستخولوا المال يخولوا ... وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا
على مكسريهم حق من يعتريهم ... وعند المقلين السماحة والبذل
٤٧٤ وقال أبو هفان: "ولم يقل شعر قط -ولا يقال شعر- أهجى من قول عويف: "اللؤم أكرم من وبر ووالده" -وذكر البيت- وهذا الذي عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (من قال في الإسلام شعراً مقتزعاً فلسانه هدر) ".