وَقَالَت الْجَهْمِية: بل هُوَ يَشَاء ذَلِك، فَهُوَ يُحِبهُ ويرضاه.
وَأَبُو الْحسن وَأكْثر أَصْحَابه وافقوا هَؤُلَاءِ، وَذكر أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ: أَن أَبَا الْحسن أول من خَالف السّلف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة.
وَأما سلف الْأمة، وأئمتها، وأكابر أهل الْفِقْه، والْحَدِيث، والتصوف، وَكثير من طوائف النظار كالكلابية، والكرامية، وَغَيرهم، فيفرقون بَين هَذَا وَهَذَا، وَيَقُولُونَ: إِن الله يحب الْإِيمَان وَالْعَمَل الصَّالح، ويرضى بِهِ، كَمَا يَأْمر بِهِ، وَلَا يرضى بالْكفْر والفسوق والعصيان، وَلَا يُحِبهُ، كَمَا لَا يَأْمر بِهِ، وَإِن كَانَ قد شاءه، وَلِهَذَا كَانَ حَملَة الشَّرِيعَة من السّلف وَالْخلف متفقين على أَنه لَو حلف: ليفعلن وَاجِبا أَو مُسْتَحبا: كقضاء دين تضيق وقته، أَو عبَادَة تضيق وَقتهَا، وَقَالَ: إِن شَاءَ الله، ثمَّ لم يَفْعَله، لم يَحْنَث، وَهَذَا يبطل قَول الْقَدَرِيَّة، وَلَو قَالَ: إِن كَانَ الله يُحِبهُ ويرضاه، فَإِنَّهُ يَحْنَث، كَمَا لَو قَالَ: إِن كَانَ ينْدب إِلَى ذَلِك ويرغب فِيهِ، أَو يَأْمر بِهِ أَمر إِيجَاب أَو اسْتِحْبَاب، وَهَذَا يرد على الْجَهْمِية وَمن اتبعهم كَأبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَمن وَافقه من الْمُتَأَخِّرين.
وَهَذِه الاستشكالات إِنَّمَا ترد على قَول جهم وَمن وَافقه من الْمُتَأَخِّرين من أَصْحَاب أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَغَيرهم، وَطَائِفَة من متأخري أَصْحَاب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد.